قبل أن يغمض معظم الناس أعينهم استعدادًا للنوم، تمتد الأيدي تلقائيًا نحو الهاتف المحمول، تصفّح سريع، رسالة أخيرة، أو فيديو قصير قبل أن تُطفأ الأنوار. ومع أن هذه العادة تبدو بسيطة، فإنها في الواقع تترك أثرًا عميقًا على الدماغ والجسم، وربما تكون أحد الأسباب الخفية وراء الأرق المتكرر واضطراب المزاج الذي يرافق كثيرين في الصباح.
وفقًا لتقرير نشره موقع Calm المتخصص في علوم النوم والصحة النفسية، فإن الضوء المنبعث من شاشات الهواتف والحواسيب يربك الساعة البيولوجية للجسم ويُثبّط إفراز الميلاتونين، وهو الهرمون الذي يرسل إشارات إلى الدماغ بأن وقت الراحة قد حان. هذه الإشارات المضلَّلة تجعل العقل في حالة يقظة، حتى وإن كانت العينان نصف مغلقتين.
ضوء أزرق يُوقظك بينما تظن أنك تستعد للنوم
تصدر شاشات الأجهزة الرقمية ضوءًا أزرق ذا طاقة مرتفعة، يشبه في تأثيره ضوء النهار الطبيعي. عندما تتعرض له في ساعات الليل، يفسره الدماغ على أنه ضوء الصباح، فيبدأ بإفراز هرمونات التنبيه ويؤخر دورة النوم الطبيعية. النتيجة: تأخر في الخلود إلى النوم وصعوبة في الاستغراق فيه، إضافة إلى اضطراب الإيقاع اليومي الذي ينظم نومك واستيقاظك.
هذا الاضطراب لا يقتصر على صعوبة النوم فحسب، بل يؤثر أيضًا على جودة النوم ذاته. فحتى إن استطعت أن تغفو بعد التصفح الليلي، فإن نومك يكون أخف وأكثر عرضة للتقطع، ما يجعلك تستيقظ متعبًا وغير مرتاح.
تحفيز عصبي يمنع الاسترخاء
العقل لا يعرف التوقف السريع عن العمل. كل مقطع فيديو أو إشعار جديد أو حتى رسالة قصيرة تستدعي من دماغك نشاطًا كهربائيًا متكررًا في القشرة الجبهية المسؤولة عن التركيز والانتباه. ومع استمرار هذا النشاط قبل النوم، يجد الجهاز العصبي صعوبة في الانتقال إلى حالة السكون التي تسبق النوم العميق.
ويشير خبراء علم الأعصاب إلى أن تصفح الهاتف قبل النوم يُشبه الضغط المستمر على دواسة البنزين في سيارة أثناء محاولة التوقف، إذ تُرسل الخلايا العصبية إشارات متضاربة بين الرغبة في الراحة والاستجابة للمحفزات الرقمية.
وسائل التواصل.. ساحة مزدحمة قبل الأحلام
منصات التواصل الاجتماعي تُعتبر من أكثر العوامل المسببة للتنبيه العاطفي في أوقات الليل. فالتفاعل مع الصور والأخبار والمنشورات يثير مشاعر مختلفة — من الفضول إلى القلق أو المقارنة بالآخرين — وكلها تجعل الذهن أكثر يقظة. هذا النشاط العاطفي الزائد قبل النوم قد يرفع مستويات الكورتيزول، هرمون التوتر، ويؤخر الإحساس بالنعاس الطبيعي.
متى يجب التوقف عن استخدام الهاتف؟
ينصح المتخصصون بتقليل استخدام الشاشات تدريجيًا قبل النوم بمدة تتراوح بين 30 إلى 60 دقيقة، وهي الفترة التي يحتاجها الجسم لاستعادة توازنه الهرموني وتهيئة العقل للنوم. ويمكن استبدال التصفح الليلي بأنشطة أكثر هدوءًا مثل قراءة كتاب ورقي أو الاستماع إلى موسيقى مريحة أو ممارسة التأمل البسيط.
إعداد بيئة نوم داعمة
البيئة التي تنام فيها تلعب دورًا حاسمًا في مقاومة أثر الشاشات. الإضاءة الخافتة، والابتعاد عن مصادر الصوت، وإبقاء الهاتف خارج غرفة النوم، كلها خطوات تقلل من فرص الانجذاب إلى الشاشة ليلًا. كما يُفضّل استخدام خاصية "الوضع الليلي" في الأجهزة خلال ساعات المساء لتقليل شدة الضوء الأزرق إذا كان لا بد من استخدامها.
كيف ينعكس السلوك الليلي على صحتك العقلية؟
تُظهر دراسات علمية أن الاستخدام المكثف للأجهزة الإلكترونية قبل النوم يرتبط بزيادة معدلات القلق والاكتئاب واضطراب التركيز، خاصة بين الشباب. فقلة النوم المتكررة تُضعف مناطق في الدماغ مسؤولة عن التنظيم العاطفي، وتجعل الشخص أكثر حساسية للتوتر في اليوم التالي. كما أن العادات الليلية السيئة تُفاقم الشعور بالإرهاق الذهني حتى مع فترات نوم طويلة ظاهريًا.
الحل ليس في الانقطاع بل في التوازن
التكنولوجيا ليست عدوًا للنوم، لكنها تحتاج إلى تعامل واعٍ. فالأجهزة الحديثة نفسها توفر أدوات لتحسين النوم مثل تطبيقات الضوضاء البيضاء والتأمل الصوتي، وهي بدائل ذكية يمكن استخدامها بدلًا من التصفح المرئي. السر يكمن في توقيت الاستخدام وطبيعته؛ إذ يمكن للتكنولوجيا أن تكون وسيلة استرخاء أو مصدر أرق — وفق الطريقة التي نستخدمها بها.
إن بناء علاقة صحية مع الهاتف يبدأ من وعي بسيط: أن نمنح عقولنا فرصة للتوقف بعد يوم طويل من التحفيز الرقمي المستمر. وعندما يتحول وقت ما قبل النوم إلى مساحة هادئة خالية من الإشعارات والأضواء، يصبح النوم أكثر عمقًا، والعقل أكثر صفاءً في الصباح التالي.
بتاريخ: 2025-11-25
يمنع أي لفظ يسيء للذات الالهية أو لأي دين كان أو طائفة أو جنسية.
جميع التعليقات يجب أن تكون باللغة العربية.
يمنع التعليق بألفاظ مسيئة.
الرجاء عدم الدخول بأي مناقشات سياسية.
سيتم حذف التعليقات التي تحوي إعلانات.
التعليقات ليست للتواصل مع إدارة الموقع أو المشرفين. للتواصل يرجى استخدام صفحة اتصل بنا.