أخر الأخبار » العربي

قلق إزاء تنامي عنف تلاميذ المغرب

في الثامن من سبتمبر/ أيلول الماضي، عاد تلاميذ المغرب إلى مقاعدهم الدراسية. ومنذ ذلك الحين، راحت تُسجَّل حوادث عنف يقع ضحيتها المدرّسون أو كوادر أخرى في المؤسسات التعليمية، الأمر الذي راح يثير قلقاً. عاد العنف ليلقّي بظلاله على مدارس المغرب أخيراً، بعد أسابيع قليلة من انطلاق العملية التعليمية للعام الدراسي الجديد 2025-2026. وأطلقت كوادر تربوية وإدارية وأخرى متخصّصة في المدارس الحكومية نداءً، في الأيام الماضية، وجّهته إلى أولياء الأمور حذّرت فيه من "تنامي عنف التلاميذ واستهتارهم". وفي خلال السنوات الماضية، شهد المغرب تنامياً مقلقاً في حالات العنف داخل المدارس، من خلال اعتداء تلاميذ على مدرّسين في مؤسسات تعليمية عدّة، علماً أنّ عدداً من تلك الحوادث انتهى باعتقال تلاميذ متورّطين والتحقيق معهم، فيما نظّم المدرّسون احتجاجات طالبوا في خلالها بإقرار قوانين واتّخاذ إجراءات للحدّ من هذه الظاهرة. وتتوالى حوادث عنف تلاميذ المغرب على مدرّسيهم، ولا يكاد يُنشَر خبر عن اعتداء وقع على أحد الكوادر التعليمية حتى يُعلَن عن آخر. وشهدت مؤسسات المغرب التعليمية في العام الدراسي الماضي 2024-2025 عدداً من حوادث العنف، جعلت كثيرين من المواطنين والمهتمّين بالشأن التربوي في حالة من القلق، بعد تسجيل صدمات ذات صلة. ولعلّ أبرز تلك الحوادث الاعتداء الذي استهدف المدرّسة رحمة العيادر في معهد التكوين المهني بمدينة أرفود شرقي المغرب، في 27 مارس/ آذار الماضي، والذي أدّى إلى وفاتها. ففي 13 إبريل/ نيسان الماضي، بعد 17 يوماً في قسم العناية المركّزة، قضت العيادر متأثّرةً بالجروح البليغة التي أُصيبت بها نتيجة مهاجمتها من قبل أحد تلاميذها في الشارع، علماً أنّه استخدم في ذلك آلة حادة. وبينما تُثار التساؤلات بشأن أسباب تكرار حوادث العنف ضدّ الكوادر التعليمية، يكشف مطلقو النداء أنّ "المدرسة اليوم، بكلّ أطرها (كوادرها) التربوية والإدارية والمختصة، تتحمّل أعباء تفوق طاقتها، إذ لم تعد مسؤوليتنا مقتصرة على التعليم فقط، بل أصبحت تشمل كذلك ما يجب أن يُغرَس أوّلاً في البيت من قبيل الاحترام، والانضباط، والمسؤولية، والحدّ الأدنى من القيم الأخلاقية". ويؤكد هؤلاء أنّ الكوادر التربوية والإدارية تواجه "يومياً حالات من العنف واللامبالاة، وقلّة الاحترام والإدمان على الهواتف، وضعف التركيز والانفلات السلوكي لدى فئة واسعة من التلاميذ"، مشيرين إلى أنّ هذه "ظواهر لا يمكن للمدرسة وحدها معالجتها، بل هي نتاج مباشر لغياب التتبّع (المتابعة) الأسري، وضعف الحوار داخل البيوت، وترك الأبناء من دون توجيه أو محاسبة، وانتشار التفاهة". ويوضحون: "نحن لا نعمّم، فهناك أسر مشكورة ما زالت تقوم بدورها التربوي بوعي وجهد، ونجد أثر ذلك واضحاً في سلوك أبنائها داخل المدرسة. لكنّ هذه الفئة أصبحت للأسف أقلية وسط طوفان من بعض الإهمال التربوي الأسري والإعلامي والمجتمعي الذي تأثّرت به مؤسساتنا". في هذا الإطار، يقول القيادي في الجامعة الوطنية لموظفي التعليم في المغرب مصطفى الأسروتي، في حديث إلى "العربي الجديد"، إنّ "المسؤولية تقع على وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة وعلى المجتمع والعائلات"، موضحاً أنّه "في حين تحتاج المؤسسات التعليمية إلى تدبير جيد وضبط ومواكبة نفسية واجتماعية للتلاميذ، يأتي الواقع ليبيّن أنّ تلك المؤسسات تفتقر إلى ذلك". ويلفت الأسروتي إلى أنّ "الوزارة الوصية على قطاع التعليم في المغرب تتحمّل كذلك النقص المهول وغير المسبوق في الكوادر الإدارية، إذ نجد مؤسسات ضخمة تضمّ مديراً وحارساً عاماً واحداً أو اثنَين في أحسن الأحوال"، مضيفاً أنّه "بدلاً من تحقيق معيار حارس عام لكلّ 600 تلميذ، صارت المؤسسات التعليمية تعرف فوضى عارمة، الأمر الذي جعل الإدارات عاجزة عن ضبطها من جرّاء النقص في العديد، وانعكس ذلك سلباً على التلاميذ والكوادر التربوية". من جهة ثانية، يتحدّث القيادي النقابي عن "ضعف المواكبة الاجتماعية والنفسية للتلاميذ، الأمر الذي يلقي بظلاله على الأوضاع في مدارس المغرب، على الرغم من وجود متخصّص اجتماعي في معظم المؤسسات"، موضحاً: "نجد متخصّصين اجتماعيين مهمّتهم مواكبة التلاميذ نفسياً واجتماعياً والإنصات إليهم، إلا أنّ عدد هؤلاء المتخصّصين قليل جداً، للأسف، ولا يغطّي ذلك كلّ المؤسسات. كذلك تلجأ الإدارة إلى تكليف هؤلاء بمهام إدارية لتجنّب الاكتظاظ، الأمر الذي يغيّب مواكبة التلاميذ التي تُعَدّ أساسية ولها ارتباط بظاهرة العنف المدرسي". وإلى الأسباب المذكورة، يضيف الأسروتي "غياب مراقبة محيط المدرسة، الذي يعرف مشكلات عدّة في ظلّ وجود أشخاص لا علاقة لهم بالمؤسسة التعليمية وانتشار بعض الظواهر المسيئة والمخدرات". ويرى الأسروتي أنّ "العائلات تتحمّل مسؤولية مواكبة أبنائها التلاميذ، خصوصاً في عدد من المؤسسات في الأحياء الشعبية". ويشير إلى أنّ "دور متابعة التلاميذ ومواكبتهم ومراقبتهم والتواصل تغيب في المؤسسات التعليمية والعائلات وجمعيات أولياء الأمور"، ويكمل: "مع الأسف، في ظلّ غياب هذا الدور، نقع في مشكلات عديدة ترتبط بالعنف في الوسط المدرسي". واستناداً إلى كلّ ذلك، يجد الأسروتي أنّه "من الطبيعي أن يصدر مثل هذا النداء (المشار إليه آنفاً)، إذ صار العنف ظاهرة خطرة جداً. فالنداء يهدف إلى توجيه رسالة إلى عائلات التلاميذ والأسرة التعليمية والوزارة (الوصية) لكي تتحمّل هذه الأطراف كلها مسؤوليتها ومواجهة ظاهرة العنف المستفحلة". ويشدّد على أنّ "وزارة التربية الوطنية تبقى هي المسؤولة الأولى والمباشرة عمّا يقع في المؤسسات التعليمية، والحلّ الوحيد لمواجهة ظاهرة العنف المدرسي في المغرب هو تحمّل الوزارة مسؤوليتها من خلال توفير الكوادر التربوية والإدارية بعدد كافٍ وكذلك متخصّصين اجتماعيين، بالإضافة إلى تحمّل العائلات وجمعيات أولياء الأمور مسؤولياتها، وهكذا من خلال تكاتف الجميع وأداء كلّ طرف دوره يمكن القضاء على هذه الظاهرة".
بتاريخ:  2025-10-26


التعليقات على الموقع تعكس آراء كتابها ولا تعكس آراء الموقع.
يمنع أي لفظ يسيء للذات الالهية أو لأي دين كان أو طائفة أو جنسية.
جميع التعليقات يجب أن تكون باللغة العربية.
يمنع التعليق بألفاظ مسيئة.
الرجاء عدم الدخول بأي مناقشات سياسية.
سيتم حذف التعليقات التي تحوي إعلانات.
التعليقات ليست للتواصل مع إدارة الموقع أو المشرفين. للتواصل يرجى استخدام صفحة اتصل بنا.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
يجب ملىء حقل الاسم.
يجب ملىء حقل العنوان.
يجب ملىء حقل الرساله.