أخر الأخبار » العربي

حماس.. وحلّ الدولتين

يرغب الطرف المتشدّد في الحكومة الإسرائيلية في السيطرة التامة على غزّة مرّة أخرى، بعد أن يجرّد حركة حماس من أسلحتها، ويفرغها من كل ما يمكن أن يشكّل خطراً، وإنْ بسيطاً، على إسرائيل، والأجنحة الأقل تشدّداً ترغب في غزّة منزوعة السلاح تماماً، مع حاجز جغرافي كافٍ يبعد سكان غزّة عن إسرائيل، وهما رؤيتان إقصائيّتان لا تأخُذ أيٌّ منهما اعتباراً للشعب الفلسطيني، ولا لمليونين ونصف مليون من البشر متكدّسين على شريط غزّة الساحلي المدمّر. والجهتان لا تضعان حوالى مائة ألف إنسان سقطوا في غزّة منذ "7 أكتوبر" (2023) بعد هجوم "حماس" على إسرائيل. أما القضية الفلسطينية نفسها، التي تعود إلى ما قبل أكثر من 75 عاماً، فقد أصبحت مجرد تراث عتيق، وتحوّلت بفعل المراكمة التاريخية من صراع بين العرب وإسرائيل إلى صيغةٍ تُستعاد تحت عنوان حلّ الدولتين، في استلهام لقرار الأمم المتحدة التي قسّمت فلسطين بموجبه إلى دولتين: يهودية وعربية. أنتجت المراكمة التاريخية حركة حماس التي سيطرت على غزّة بقوة، وفرضت رؤيتها على سكّان القطاع، وأصبحت من ثوابت قضية فلسطين، و"حماس" التي كانت عنصراً أساسياً في أحداث 7 أكتوبر، صار وجودها مُهدَّداً فعليّاً. وتعتقد إسرائيل أن الاتفاق الذي جرى برعاية ترامب يمكن أن يؤدّي، في النهاية، إلى نزع سلاح "حماس" واقتلاعها كلياً في القطاع. حماس الحركة التي عاشرت انتفاضات الشعب الفلسطيني لا تستسلم بسهولة. ورغم معرفتها أن الاتفاق الذي أُبرم مع إسرائيل لا ينهي الحرب بشكل كامل، تدرك أن غرض الاتفاق النيْل منها، وهو يؤدّي في مراحله المتقدّمة إلى إنهاء وجودها، لكنها تحاول أن تثبت عكس ذلك، فبمجرّد سريان وقف إطلاق النار ظهر عناصرها بين الأنقاض وبشكل علني، وخصوصاً في المناطق التي رحلت القوات الإسرائيلية عنها، وأعلنوا من هناك إحكام سيطرتهم على القطاع، وبصيغة برهان عملي على ذلك ظهرت عمليات إعدام ميداني في وسط القطاع، بما ينبئ بأن "حماس" ما زالت على الأرض كما في السابق، وهي قادرة على إعادة ضبط الشوارع. أما عملية نزع السلاح التي يحوم الاتفاق حولها، فهي شيء بعيد وغير واقعي، خصوصاً مع عدم وجود ما يمكن أن يُسلم من أسلحة "حماس"، وعدم وجود آلية واقعية لذلك، فالسلاح ما زال في أيدي عناصرها، وهم موجودون في شوارع القطاع، يشرفون على الأمن لتأكيد السيطرة، فيما تتحدّث الحكومة الإسرائيلية بأن "حماس" يجب أن تختفي من القطاع هي وأسلحتها. القضية الفلسطينية بجذورها وظروفها المعروفة أكبر بكثير من "حماس" وسلاحها. ومن غير المنطقي إخفاؤها كلها خلف موضوع فرعي. وهناك تيار دولي قوي وواسع مستعد لأن يعترف بدولة فلسطينية بغض النظر عن "حماس"، رغم أن جهود ترامب كانت مكرّسة لحل آني يصبّ، في المحصلة، لصالح "السلام"، فقد كان ترامب حريصاً على أن يَظهر صانعاً له. وفي سبيل ذلك، ضغط بالفعل على الجناح المتشدّد في إسرائيل، للقبول بالحد الأدنى، والتخلي عن التدمير الكامل للقطاع، والاكتفاء بما جرى من تدمير وقتل. وضغطَ على من يملك خطوط تواصل مع "حماس" لتقبل بما قبلت به، وبذلك حقّق لنفسه نصراً موضعيّاً، وأغفل ما يمتّ إلى الحل النهائي بصلة، مكرّساً مع فريقه جهداً إضافياً لتوسعة معسكر الاتفاقيات الإبراهيمية، معتقداً أن توسيع هذا المعسكر حل واقعي للقضية كلها. تختصر هذه النظرة مئات التفصيلات الصغيرة والضرورية، كما لم يلحظ اتفاق وقف إطلاق النار آليات تسليم السلاح والجهات التي يمكن أن تتسلّمه. وبهذه الفجوات الكبيرة، يترشّح الوضع لتطور جديد وربما غير متوقع، فيما تغوص القضية الفلسطينية أكثر في طبقات السراب الكثيفة، ولم يبق منها إلا ما يشبه المقولة التي تتردّد في مناسبة وأخرى عن حلّ الدولتين.
بتاريخ:  2025-10-26


التعليقات على الموقع تعكس آراء كتابها ولا تعكس آراء الموقع.
يمنع أي لفظ يسيء للذات الالهية أو لأي دين كان أو طائفة أو جنسية.
جميع التعليقات يجب أن تكون باللغة العربية.
يمنع التعليق بألفاظ مسيئة.
الرجاء عدم الدخول بأي مناقشات سياسية.
سيتم حذف التعليقات التي تحوي إعلانات.
التعليقات ليست للتواصل مع إدارة الموقع أو المشرفين. للتواصل يرجى استخدام صفحة اتصل بنا.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
يجب ملىء حقل الاسم.
يجب ملىء حقل العنوان.
يجب ملىء حقل الرساله.
الاكثر مشاهدة
للاعلى تشغيل / ايقاف للاسفل