أخر الأخبار » العربي

أطفال سوريون يتجاوزون ذكريات الحرب بالتعلّم والعمل

يكتب عدد من أطفال سورية قصصاً تشي بالأمل، وتبشّر بأنه يمكن أن تولد بعد أحلك الظروف حياة أفضل، وأن الأطفال حين يتمسّكون بأحلامهم قادرون على صناعة مستقبل مختلف في بلد يستعيد عافيته تدريجياً. في سورية التي أثقلتها الحرب لسنوات، تبرز قصص ملهمة لأطفال اختاروا تحويل المصاعب إلى دافع للإبداع والتعلم والعمل، وبينما لم تعد أصوات القصف والانفجارات جزءاً من يومياتهم، حول بعضهم ذكريات الحرب إلى وقود يصوغ طموحاتهم. يلمع اسم إياد عرسان (12 سنة) بوصفه أحد أبرز وجوه الإبداع العلمي في سورية، ويقول لـ"العربي الجديد": "بدأ شغفي بالعلم عندما كنت في السابعة، وحينها بدأت أقرأ في مجالات الطاقة والذكاء الاصطناعي. كنت أحلم بأن أصنع شيئاً ينفع بلدي والعالم. واليوم، لدي أكثر من 55 اختراعاً، وحصلت على براءتَي اختراع في مجال توليد الكهرباء بالتنافر المغناطيسي، كما طوّرت برنامجاً طبياً اعتمدته نقابة الأطباء، وبطاقة صحية ذكية مسجّلة رسمياً". يتابع إياد: "لم أتوقف عند ذلك، فقد قرأت أكثر من ستمئة كتاب، وحفظت المعلقات العشر، وأجزاء من القرآن الكريم، وابتكرت منظومة إلكترونية لمسابقة (تحدي القراءة العربي)، ومؤخراً حصلت على المركز الأول في المهرجان الدولي لملوك التميز والإبداع، كما توليت منصب نائب رئيس المهرجان، كأصغر شخصية قيادية علمية". في شوارع دمشق العتيقة، إذ يختلط عبق التاريخ بصخب الحاضر، يقف يامن طلس (15 سنة)، خلف بسطة صغيرة لبيع "المعروك الشامي" الذي تصنعه والدته منزلياً، يقول لـ"العربي الجديد": "بدأتُ الفكرة حين قال جدي لوالدتي إنّ معروكاتها لذيذة، واقترح أن نبيعه. فعلنا ذلك، وبِعنا صينية كاملة في اليوم نفسه، فقررنا مواصلة المشروع. أحرص دائماً على ألّا يؤثر العمل على دراستي، إذ أستيقظ باكراً للذهاب إلى المدرسة، وبعد عودتي أساعد والدتي في إعداد المعروك، ثم أذهب لبيعه، وفي المساء أراجع دروسي. التعليم بالنسبة إليّ هو الأساس، والعمل وسيلة لدعم عائلتي وتحقيق أحلامي". يضيف يامن: "أنشأت قناة على (يوتيوب) أوثّق فيها يومياتي، وأُعدّ أحياناً مأكولات بسيطة أمام الكاميرا لأُظهر جماليات دمشق وروحها. أحبّ الطهو كثيراً، لكن حلمي الأكبر هو دراسة الهندسة، ثم افتتاح مطعم خاص يجمع بين شغفي بالمأكولات ورغبتي في الابتكار". أما سارة، ابنة الثالثة عشرة، فقد وجدت مع والدتها طريقاً لمواجهة آثار الحرب في سورية، وتقول: "بعد وفاة والدي، بحثت أمّي عن وسيلة للعيش، وجرّبنا معاً صناعة الصابون في المنزل باستخدام مواد طبيعية، ومع الوقت بدأ الجيران يشترون منتجاتنا. اليوم، نبيع منتجاتنا في محالّ صغيرة، وأحلم أن يتحوّل مشروعنا إلى علامة تجارية، فرغم كل الخسارات التي خلّفتها الحرب في عائلتنا، إلا أنّها لم تحرمنا من الأمل". في باحة منزله، لا يفارق القلم يدَ الطفل ساري عزام (10 سنوات)، والذي يقضي ساعات في الكتابة على لوح علّقه والده على الحائط، يقول لـ"العربي الجديد": "أحبّ تعلّم اللغات والرياضيات، وأحياناً أحلّ معادلات صعبة، وأشعر بسعادة كبيرة حين أصل إلى الحل الصحيح بسرعة، وقد حفظت القرآن الكريم كاملاً في سن صغيرة، وأتعلّم بمفردي لغات مختلفة عبر (يوتيوب)، من بينها الإنكليزية والفرنسية والكورية واليابانية. أحلم أن أتعلّم كل شيء عن العالم". ورغم تشخيص ساري باضطراب طيف التوحّد في عمر السنتين، لم تمنعه التحديات في سورية من تطوير مهاراته. تقول والدته عبير عيسى: "إنه هدية من السماء، وهو موهوب بشكل نادر، لكنه رغم ذكائه، يحتاج إلى رعاية أكاديمية خاصة لدعم قدراته العقلية، مع الحفاظ على طفولته". من جانبها، تؤكد مديرة وحدة حماية الطفل بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، هالة صباغ، أن الوزارة تولي اهتماماً خاصاً بالأطفال الذين عانوا خلال الحرب، مشدّدة على أن "أطفالنا هم المستقبل، وواجبنا أن نوفر لهم بيئة محفزة تتيح لهم النمو والتعلم والإبداع في ظل الأمان النسبي الحالي. تقدم الوزارة برامج تشمل الرعاية الصحية والتعليمية والترفيهية والنفسية، إضافة إلى ورش عمل ودورات تدريبية للأطفال لتطوير مهاراتهم الحياتية، ما يمكّنهم من المشاركة الفعّالة في المجتمع، وبناء مستقبل أفضل". بدورها، تؤكد الأخصائية التربوية ريم الحسن على أنّ "الطفل يحتاج في طور التكوين إلى اللعب والمرح لبناء شخصيته بطريقة متوازنة، والعمل المبكر قد يكون إيجابياً إذا كان محدوداً، وتحت إشراف الأسرة، لأنّه يمنح الطفل مهارات حياتية مهمة، لكنه يتحوّل إلى عبء جسدي ونفسي إذا طغى على التعليم والراحة والنمو الاجتماعي. حين يتوافر التوازن بين التعلم والعمل مع الدعم النفسي والاجتماعي، تتحول هذه التجارب الصعبة من معاناة إلى فرصة لصناعة جيل قوي ومبدع يعرف قيمة الجهد، ولا يخسر حقه في الطفولة".
بتاريخ:  2025-10-26


التعليقات على الموقع تعكس آراء كتابها ولا تعكس آراء الموقع.
يمنع أي لفظ يسيء للذات الالهية أو لأي دين كان أو طائفة أو جنسية.
جميع التعليقات يجب أن تكون باللغة العربية.
يمنع التعليق بألفاظ مسيئة.
الرجاء عدم الدخول بأي مناقشات سياسية.
سيتم حذف التعليقات التي تحوي إعلانات.
التعليقات ليست للتواصل مع إدارة الموقع أو المشرفين. للتواصل يرجى استخدام صفحة اتصل بنا.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
يجب ملىء حقل الاسم.
يجب ملىء حقل العنوان.
يجب ملىء حقل الرساله.