أخر الأخبار » العربي

اقتصاد إسرائيل... هل يتحمل نموذج "إسبرطة" الذي يروج له نتنياهو؟

 لم يكن وجود عقوبات ومقاطعات دولية غير رسمية تتعرض لها إسرائيل، سوى السر المعروف لدى نخبها الاقتصادية والأكاديمية والثقافية والسياسية بطبيعة الحال. رغم ذلك، اختارت إسرائيل الاستمرار في سياساتها وفي حرب الإبادة على قطاع غزة، والتحايل والالتفاف على العقوبات والمقاطعة واتهام كل من ينتقدها بأنه معاد للسامية. إلى أن جاء رئيس الوزراء نتنياهو يوم الاثنين 15 سبتمبر/أيلول وكشف خلال كلمة له أمام منتدى خاص بوزارة المالية بأن إسرائيل تواجه حالة واسعة من المقاطعات والعزلة، قد تؤدي إلى مقاطعة اقتصادية، تبدأ بالمنتجات والمعدات العسكرية والأسلحة. وقال "سنصطدم بحواجز معينة في التجارة العالمية، ونحن في عالم متحدٍ جداً" . وادعى نتنياهو أنه "سيتعين علينا بشكل متزايد أن نتكيف مع اقتصاد الاكتفاء الذاتي. وهذه عبارة أكرهها، فأنا من مؤيدي السوق الحُرة، وعملت من أجل أخذ إسرائيل إلى ثورة السوق الحرة، لكن يمكن أن نجد أنفسنا في وضع يكون فيه استيراد الأسلحة محظوراً. وسنضطر إلى تطوير صناعة أسلحة هنا. وسنضطر إلى أن نكون أثينا وإسبرطة كبرى. لا خيار أمامنا. وسنضطر في السنوات القريبة على الأقل مواجهة محاولات العزل هذه". يدعي نتنياهو أن في مقدور إسرائيل أن تصمد أيضاً في حال اضطرت إلى اتباع اقتصاد مغلق يعتمد على الذات والقدرات والموارد المحلية، إلا أن معطيات أولية نشرت في الأسابيع الأخيرة حول حالة صناعة قطاع التقنيات الفائقة الإسرائيلية، ومعطيات حول الهجرة من إسرائيل توضح أن كلام نتنياهو بعيد عن الواقع، وأقرب إلى الأمنيات. الهايتك في إسرائيل عند مفترق طرق في السابع عشر من الشهر الجاري، نشرت سلطة الابتكار الإسرائيلي تقريرها السنوي للعام 2025 حول قطاع التقنيات الفائقة-الهايتك محملاً بمعطيات متناقضة حول هذا القطاع المركزي في الاقتصاد الإسرائيلي، وتحذيرات مبطنة حول مستقبل هذه إذا ما استمرت الأوضاع السياسية والأمنية على ما هي عليه. فمن جهة يوضح التقرير قوة قطاع الهايتك الإسرائيلي ومتانته وقدرته، حتى الآن، على مواجهة التحديات، حيث أظهر بوادر تعافٍ ونمو في بعض المؤشرات مثل: اجتذاب رؤوس الأموال، وعمليات الاستحواذ وبيع الشركات، واستمرار مساهمته في الصادرات الإسرائيلية. إلا أن التقرير يشير من جهة أخرى إلى أن القطاع ما زال يعاني جموداً في مؤشرات مركزية مثل: الناتج الكلي لقطاع الهايتك وتوقف الزيادة في حجم التوظيف. وبهذا المعنى، ومع زيادة الضبابية حول التوجهات المستقبلية، يقف قطاع التقنيات الفائقة عند مفترق طرق، ويتعلق تطوره كثيراً بالتحولات السياسية والأمنية في إسرائيل والمنطقة، وفقاً للتقرير، إذ يعتمد هذا القطاع في الأساس على الاستثمارات الخارجية والأسواق العالمية. في جانب مؤشرات الاقتصاد الكلي، كان الناتج في قطاع الهايتك عام 2024 شبيهاً بالعام 2023، وشكّل نحو 17% من الناتج المحلي الإسرائيلي. ويعني ذلك أن معدل نمو قطاع الهايتك كان أقل من معدل نمو الاقتصاد العام. وفي ما يتعلق بحجم الصادرات، يوضح التقرير أن قيمة صادرات الهايتك بلغت عام 2024 نحو 78 مليار دولار، ما يعكس نمواً سنوياً بمعدل 5.6%. خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2025 استمرت هذه الزيادة، ووصلت حصة الهايتك من مجمل الصادرات الإسرائيلية إلى 57.2%، بعد أن كانت النسبة 56.4% في عام 2024. كما يتواصل في الأعوام الأخيرة الانخفاض في تأسيس شركات ناشئة جديدة، إذ عدد الشركات الناشئة الجديدة اليوم يقل عن النصف مقارنةً بما كان عليه قبل عقد. معظم هذه الشركات الناشئة تنشأ في مجالات مشبعة بالفعل، مثل: البرمجيات المؤسسية، والتكنولوجيا المالية، والتجارة الإلكترونية، والأمن السيبراني. في المقابل، يرصد التقرير ظاهرة سلبية وهي تراجع في جذب الأموال من قِبَل صناديق رأس المال المُخاطر. فما بين 2023–2025 سُجّل انخفاض حاد في حجم استقطاب الاستثمارات، مقارنةً بحجم التي جُمعت في معظم السنوات بين 2017–2022. ورغم أنّ الولايات المتحدة وأوروبا شهدتا أيضاً تراجعاً في جمع الأموال لصناديق رأس المال المخاطر، كان الانخفاض في إسرائيل أكثرَ حدةً سواء من حيث حجم الأموال المجموعة أو من حيث متوسط حجم الصناديق. ويشير التقرير إلى أنّ نمو عدد العاملين في قطاع الهايتك ونسبتهم من إجمالي القوى العاملة في إسرائيل لم يشهد أي تغيّر يُذكر خلال ثلاث سنوات متتالية. في النصف الأول من عام 2025، عمل في القطاع نحو 403 آلاف شخص، أي ما يعادل 11.5% من إجمالي العاملين في الاقتصاد الإسرائيلي، مقابل 11.6% في 2023. بلغ زيادة عدد العاملين في قطاع التقنيات الفائقة في النصف الأول من عام 2025 نحو 1.2% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. هذا المعدل يُعد منخفضاً نسبياً إذا ما قورن بفترة ما قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، حيث كان متوسط النمو يتجاوز 6% في كل نصف سنة أولى. ولأول مرة، سُجّل انخفاض في عدد العاملين في البحث والتطوير، حيث تراجع عددهم في النصف الأول من عام 2025 بنحو 14 ألف شخص مقارنة بالنصف الأول من 2024 وهو تراجع بنسبة 6.5%. بالمجمل تراجع معدل نمو التوظيف في القطاع إلى أقل من 2% سنوياً منذ عام 2023، بعد عقد كامل كان فيه معدل النمو يتجاوز 5% سنوياً في معظم السنوات. تقرير سلطة الابتكار يوضح مدى ارتباط قطاع التقنيات الفائقة الإسرائيلي وتعلقه، وهو القطاع الأبرز والأهم في النمو الاقتصادي الإسرائيلي، بالاقتصاد العالمي والأسواق العالمية، وكذلك بالحالة الأمنية والسياسية. ويوضح أن أي تراجع في هذه الجوانب سيلحق ضرراً بالغاً في الاقتصاد الكلي الإسرائيلي. مع العلم أن جباية الضرائب من هذا القطاع شكلت نحو 25% من مجمل الدخل من الضرائب في إسرائيل في العقد الأخير. كل هذه المعطيات توضح أن الاقتصاد الإسرائيلي سيواجه صعوبة بالغة في النمو والتطور وإنتاج أماكن عمل جديدة وجباية الضرائب، بدون الأسواق الدولية، على عكس ما يدعيه نتنياهو في "خطاب إسبرطة". فضلاً عن أنه من المتوقع أن تزداد هجرة النخب من إسرائيل في حال انتقلت إلى نموذج الاقتصاد المغلق المعزول، وهو ما بدأ فعلاً في السنوات الأخيرة. تزايد هجرة النخب نشرت دائرة الإحصاء المركزية بتاريخ 17 أيلول معطيات حول الوضع الديمغرافي في إسرائيل. وفي تحليل معمق للمعطيات يقول سامي بيرتس المحلل في صحيفة ذي ماركر الاقتصادية (21 أيلول) إن "الحرب الأطول والأغلى في تاريخ الدولة، التي تستمر لما يقارب السنتين، أدت إلى تحوّل في ديمغرافية إسرائيل: فبحسب معطيات دائرة الإحصاء المركزية، بلغ معدل النمو السكاني السنوي في عام 2024-2025 نحو 1% فقط، بينما كان عادة يقارب 2%، وهو الأعلى في العالم الغربي". بقول بيرتس، بين رأس السنة (العبرية) الماضي والحالي، وصل إلى إسرائيل نحو 30 ألف مهاجر جديد، كما عاد إلى البلاد 21 ألف إسرائيلي كانوا قد هاجروا إلى الخارج. ومع ذلك، هاجر حوالي 79 ألف إسرائيلي إلى الخارج، ما أدى إلى أن يكون صافي ميزان الهجرة سلبياً بخسارة نحو 28 ألف إسرائيلي. وهي السنة الثانية على التوالي التي يكون فيها ميزان الهجرة لإسرائيل سلبياً، بعد سنوات طويلة كان خلالها إيجابياً. أما في ما يخص مواصفات المهاجرين، فالمعطيات المتوفرة لدى دائرة الإحصاء تشير إلى أن 81% منهم دون سن الـ 49، ما يدل على أنهم من فئة الشباب والعائلات الشابة. وتقدير إضافي هو أن هذه فئة سكانية تتميز بمستويات تعليم ومهارات مرتفعة. وهذا يعني أن إسرائيل تخسر طاقات إنتاجية، وهو ما يشكّل على المدى البعيد ضرراً للاقتصاد. يقتبس بيرتس أكاديميين مختصين في الديمغرافيا والهجرة وتأثيرها على الاقتصاد الذين وضحوا أن هجرة ذوي الكفاءات ومستويات التعليم العالي من إسرائيل، ستكون لها كلفة اقتصادية بالغة على المدى القريب والمتوسط، بحيث ستؤدي إلى فقدان ناتج وسكان. نتنياهو يخدع الإسرائيليين تراجع الاستثمار والنمو في قطاع التقنيات الفائقة، وتراجع حجم التوظيف، الذي يترافق مع ارتفاع الهجرة من إسرائيل، خاصة لذوي التعليم العالي، يوضح أن الاقتصاد الإسرائيلي يتأثر بشكل سلبي ومباشر من الحالة الأمنية والسياسية، وأن مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي يتعلق بشكل مباشر بالاقتصاد العالمي، وكذلك مستويات الهجرة من وإلى إسرائيل. تراجع مكانة إسرائيل الذي انعكس في الاجتماع السنوي لهيئة الأمم المتحدة الذي عقد هذا الأسبوع، بالتوازي مع تزايد المقاطعة الدولية، الاقتصادية والأكاديمية والثقافية والرياضية، ولو كانت بغالبيتها غير رسمي لغاية الآن، يمكن أن يكون دافعاً إضافياً إلى زيادة الهجرة وتراجع الحالة الاقتصادية. تحويل إسرائيل إلى "إسبرطة" كما يدعي نتنياهو وإلى اقتصاد مغلق سيشكل ضربة قاسية للاقتصاد الإسرائيلي وقدراته على النمو والتطور وزيادة الناتج، ومنه على ميزان الهجرة. هذا بعكس ادعاءات نتنياهو.
بتاريخ:  2025-09-26


التعليقات على الموقع تعكس آراء كتابها ولا تعكس آراء الموقع.
يمنع أي لفظ يسيء للذات الالهية أو لأي دين كان أو طائفة أو جنسية.
جميع التعليقات يجب أن تكون باللغة العربية.
يمنع التعليق بألفاظ مسيئة.
الرجاء عدم الدخول بأي مناقشات سياسية.
سيتم حذف التعليقات التي تحوي إعلانات.
التعليقات ليست للتواصل مع إدارة الموقع أو المشرفين. للتواصل يرجى استخدام صفحة اتصل بنا.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
يجب ملىء حقل الاسم.
يجب ملىء حقل العنوان.
يجب ملىء حقل الرساله.
الاكثر مشاهدة
للاعلى تشغيل / ايقاف للاسفل