أخر الأخبار » العربي

تانيلا بوني.. سوسيولوجيا جماعية للنساء الأفريقيات

مع عملها في حقول متعددة من الأدب والفلسفة، فإن ما يميّز مسيرة الشاعرة والأكاديمية الإيفوارية تانيلا بوني (1954)، هو الرؤية النسوية التي تؤسّس لأعمالها وتنطلق منها، سواء في الشعر أو الرواية أو في المقالات والدراسات الأكاديمية. وضمن هذا المسار، حصلت بوني قبل أيام على "جائزة تشيكايا أوتامسي للشعر الأفريقي" التي يمنحها موسم أصيلة الثقافي الدولي.  ورغم انتمائها الأكاديمي إلى الفلسفة الغربية وتدريسها لها في جامعات أبيدجان ــ حيث نالت درجة الدكتوراه من السوربون في الفلسفة القديمة ــ فإن اهتمامها الفعلي يتركّز على التقاليد الفلسفية الأفريقية منذ عودتها إلى ساحل العاج. وقد ساهمت من خلال أبحاثها في نقد المركزية الأوروبية وتفكيك سرديات الاستعمار والعنصرية ضد السود. كما ترك الشاعر السنغالي ليوبولد سيدار سنغور أثره الواضح في تجربتها، خصوصاً في ما يتصل بالاعتراف بالهوية الثقافية الأفريقية في مواجهة الخطاب الاستعماري، والجمع بين الروح الأفريقية واللغة الفرنسية في الشعر. عادت بوني إلى فرنسا في منفى مؤقت بعد نشر روايتها "صباحات حظر التجوّل" (جائزة أحمدو كوروما عام 2005)، بسبب تهديدات العيش تحت سلطة "الجبهة الشعبية الإيفوارية"، وإثر الضجة التي أحدثتها الرواية. وفيها استعارت شخصية نسائية تُدعى "زانبا" لتصوير بلدها ساحل العاج، وقدّمت من خلال حكاية اختطاف واغتصاب متكرر على يد أحد رجال الأمن، الذي استولى على مطعم البطلة؛ صورةً عن الاضطرابات السياسية والاجتماعية من جهة، وعجز الناس عن مواجهة التعصب والتمييز والعنف من جهة أخرى، حيث حلّت سلطة السلاح محل حكم القانون. كما تستكشف الرواية نتائج الفراغ السياسي والحلول غير الوطنية، في قالبٍ أدبي ينقل انشغالاتها السياسية إلى صلب الحكاية الاجتماعية ودلالاتها. تُعبّر في شعرها عن الاضطهاد المزدوج للنساء الأفريقيات وربما يكون كتابها "كيف تعيش نساء أفريقيا؟" أوضح إسهاماتها الفكرية، إذ تكشف فيه عن الهيمنة الذكورية التي تعيشها النساء الأفريقيات، من زاويتي التشويه الجسدي والعنف نفسي، في مقاربة تتساءل عن معنى الإهانات التي تُطلق عليهن، كما توثّق رؤيتها بصور فوتوغرافية توضّح الأوجاع الأخلاقية والجسدية، حتى ليبدو الكتاب أشبه بسوسيولوجيا جماعية للنساء الأفريقيات، في كتابة تمزج الحكايات الفردية مع الواقع اليومي لكل بنات جنسها. مع ذلك، ترى بوني أن النساء الأفريقيات لسن فئة مغلقة محدّدة الانتماء باللون أو الجغرافيا، إنما يشمل المصطلح كل النساء اللواتي يعانين من التمييز، سواء عبر التشويه الجسدي، أو احتكار الوظائف، أو العزل في المطابخ وفي أدوار الإنجاب. ويمكن تلخيص تجربتها في هذا السياق بقولها: "المثقفة الأفريقية تُقبَل ما دامت تلتزم الخطاب السائد. لكن بمجرد أن تعترض تنهال عليها تهم النسوية والتغريب وإنكار الهوية". أيضاً لها مؤلفات في كتب الأطفال واليافعين، إلى جانب تأملاتها في الكتابة. وقد صدر أول دواوينها الشعرية عام 1984 بعنوان "المتاهة"، ولها خمسة عشر ديواناً، من بينها "حبّات رمل"، و"لا توجد كلمة سعيدة"، و"جلدي نافذة على المستقبل". وما يميزها هو ذلك النسيج الفكري الذي يتشكّل من التجربة والثقافة معاً، ليصنع صوتاً خاصاً، يتقاطع فيه الشعر مع الفلسفة، ومع جرح الحرب الأهلية وما أثارته من أسئلة أخلاقية ووجودية حول الهوية والانتماء. وبالنسبة إلى نسوية أفريقية، يكتسب التعبير الشعري صيغة حادّة وغاضبة وتأملية، تعبّر عن اضطهاد مزدوج لامرأة من أفريقيا. تُعدّ تانيلا بوني من أهم الشخصيات في الأدب الأفريقي الحديث. وهي عضو في أكاديمية العلوم والفنون والثقافات الأفريقية، وقد حازت جوائز عديدة منها "جائزة أنطونيو فيكارو الدولية للشعر" (2009)، و"جائزة ثيودور غوتييه" (2018). ومن المقرر أن تتسلم جائزة أوتامسي في 9 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، ضمن فعاليات الدورة السادسة والأربعين من موسم أصيلة الثقافي الدولي في المغرب.
بتاريخ:  2025-09-26


التعليقات على الموقع تعكس آراء كتابها ولا تعكس آراء الموقع.
يمنع أي لفظ يسيء للذات الالهية أو لأي دين كان أو طائفة أو جنسية.
جميع التعليقات يجب أن تكون باللغة العربية.
يمنع التعليق بألفاظ مسيئة.
الرجاء عدم الدخول بأي مناقشات سياسية.
سيتم حذف التعليقات التي تحوي إعلانات.
التعليقات ليست للتواصل مع إدارة الموقع أو المشرفين. للتواصل يرجى استخدام صفحة اتصل بنا.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
يجب ملىء حقل الاسم.
يجب ملىء حقل العنوان.
يجب ملىء حقل الرساله.
الاكثر مشاهدة
للاعلى تشغيل / ايقاف للاسفل