أخر الأخبار » العربي

سباق أوروبي على كفاءات الأجانب النادرة التي يرفضها ترامب

 حين قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض رسوم باهظة على تأشيرة الدخول الخاصة بالعمالة الماهرة H1-B مساء الجمعة الماضي، كان الأمر مفاجئاً، على الأقل بتوقيت الهند، حيث كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل في نيودلهي أي الساعات الأولى لصباح السبت، بينما حدد ترامب يوم الأحد موعداً لبدء تطبيق الرسوم التي تبلغ 100 ألف دولار للحصول على فيزا من هذا النوع أو للدخول بها. لم يبدد ظهور وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك صاحب المقترح بجوار ترامب من عشوائية القرار، بل أضاف إليه، فحين سُئل عما إذا كانت الرسوم الجديدة ستطبق على حاملي الفيزا الحاليين، رجح ذلك. وعلى الفور سرت حالة من الصدمة لدى عمالقة التكنولوجيا الأميركيين وفي مطارات الهند، فالولايات المتحدة تصدر 100 ألف تأشيرة دخول من هذا النوع سنوياً، تبلغ نسبة الحاصلين عليها من الهند 75%، أما قطاع التكنولوجيا الفائقة والشركات المالية فهم الأكثر توظيفاً لهذه الخبرات النادرة التي ستفقدها الولايات المتحدة بسبب قرار أثار غضب هذا القطاع الأكثر حيوية وأهمية في الاقتصاد الأميركي. ما حدث من ملابسات وتداعيات لقرار التأشيرة H1-B لا يعتبر غريباً على تفكير إدارة ترامب أو نهجها، التي تبذل كل جهد ممكن لإرضاء قاعدتها الجماهيرية التي تميل إلى اليمين والشعبوية ونظرية المؤامرة التي يجسدها الأجانب. حدث ذلك عندما قرر ترامب التضييق على الطلاب الأجانب في الجامعات الأميركية وفرض قيوداً على دخولهم الولايات المتحدة وإقامتهم فيها من أجل الدراسة، فخسر الاقتصاد الأكاديمي مليارات الدولارات سنوياً كان يضخها الدارسون الأجانب في الجامعات وما تتطلبه إقامتهم ومعيشتهم في مدنها. وقدرت تقارير أكاديمية أن خسارة الاقتصاد الأميركي من هذا القرار بلغت 7 مليارات دولار و60 ألف وظيفة. وقتها انتهزت الجامعات البريطانية والآسيوية فتح أبوابها بعروض غير مسبوقة لاستقبال الطلاب الأجانب من دون شروط، وهو ما حدث على نطاق واسع. يتكرر الأمر حالياً مع الكفاءات النادرة التي تشعر أنها عرضة لتضييق إدارة ترامب، فقط لإرضاء "ماغا" ومتطرفيها، فحتى لو انطبقت الرسوم الجديدة على المتقدمين الجدد للحصول على هذه الفيزا، فلن تجد الشركات الأميركية الصغيرة أو المشروعات الناشئة القدرة على دفع 100 ألف دولار لاستقدام شخص قد يستمر في العمل لديها وقد لا يستمر، أما شركات التكنولوجيا الكبرى التي يقول ترامب إنه يهدف إلى دعمها فقد كانت أول المتبرمين من قراره، وطالبت العاملين لديها بعدم المغادرة. وتقدر دراسة حديثة لـ"معهد مانهاتن" أن كل حامل لتأشيرة H-1B يساهم في تقليص عجز الموازنة بما يزيد على 800 ألف دولار بالقيمة الحالية الصافية طوال مدة إقامته في الولايات المتحدة. وبعبارة أخرى تقول الدراسة التي نشرتها وول ستريت جورنال، إن كل مستفيد يخفض الدين الفيدرالي بقيمة اسمية بأكثر من 2.3 مليون دولار ويُنمّي الاقتصاد بمقدار 460 ألف دولار خلال 30 عامًا. ومن ثم، إذا أدّت رسوم طلب التأشيرة الجديدة البالغة 100 ألف دولار إلى تقليص عدد التأشيرات المعفاة من السقف التي تصدرها الحكومة، فإن هذه السياسة ستُكلّف الحكومة الفيدرالية إيرادات وتقلّص حجم الاقتصاد. أبواب مفتوحة في المقابل سعت بريطانيا وألمانيا لاغتنام الفرصة والتأكيد أن أبوابهما مفتوحة أمام الكفاءات النادرة خاصة في قطاع التكنولوجيا للقدوم والعمل في الاقتصادين البريطاني والألماني. وزيرة الخزانة البريطانية، راتشيل ريفز هي أوّل من قدر ذلك فقد أعلنت أن بريطانيا ستسير في الطريق العكسي لسياسات ترامب بهدف اجتذاب المهارات. وبحسب تصريحات ريفز، ستجعل بريطانيا من السهل على الشركات استقدام عمالة أجنبية عالية المهارة، في إطار جهود الحكومة لجذب المزيد من الاستثمارات إلى البلاد. وقالت ريفز يوم الثلاثاء "بينما أعلن الرئيس ترامب في نهاية الأسبوع الماضي أنه سيجعل من الأصعب جلب المواهب إلى الولايات المتحدة، فإننا نريد أن نجعل من الأسهل جلب المواهب إلى المملكة المتحدة. نحن نوسّع مسارات التأشيرات العالمية للمواهب والأفراد ذوي الإمكانات العالية، ونسعى بسرعة إلى تسهيل الوصول إليها." وكانت ريفز تتحدث في "كاناري وورف"، حي المال والأعمال الجديد في شرق لندن حين أدلت بهذه التصريحات مذكرة بإرث بريطاني تريد إحياءه تحت حكم العمال "لندن ليست مجرد عاصمة المملكة المتحدة، بل هي إحدى العاصمتين الماليتين في العالم. ونريد أن نميز أنفسنا من غيرنا من الدول حول العالم من خلال انفتاحنا على أفضل المواهب عالمياً." أما ألمانيا فقد سارعت على لسان سفيرها في نيودلهي فيليب آكرمان إلى دعوة الكفاءات والمواهب الهندية في قطاعات التكنولوجيا للتوجه إلى ألمانيا بدلاً من أميركا، وقال في مقطع مصور نشره على موقع إكس " سياستنا الخاصة بالهجرة موثوقة، حديثة وقابلة للتوقع. نحن لا نغير قواعدنا بشكل جذري بين ليلة وضحاها." وأكد أن الهنود سيجدون في ألمانيا كلّاً من الاستقرار و"فرص العمل الكبيرة" في هذا البلد الأوروبي. ويحتاج الاقتصاد الألماني إلى مئات الآلاف من المهاجرين سنوياً لمواجهة الآثار السلبية لشيخوخة المجتمع. وافتتح آكرمان رسالته بتأكيد أن الهنود من بين أعلى الفئات دخلاً في ألمانيا، قائلاً: "إن متوسط دخل العامل الهندي في ألمانيا أعلى من متوسط دخل العامل الألماني في ألمانيا. وهذه أخبار جيدة جداً، لأن الراتب المرتفع يعني أن الهنود يساهمون بشكل كبير في مجتمعنا ونظام رفاهنا." أيّاً كان مقصد العمالة الماهرة والمواهب التقنية بعد قرارات ترامب، فمن المؤكد أن النتيجة لن تكون في مصلحة شركات أميركا العملاقة وتقنياتها التي تسود العالم ويحاول الرئيس الأميركي إعادة توطينها داخل الحدود بقرارات صادمة في الغالب.
بتاريخ:  2025-09-26


التعليقات على الموقع تعكس آراء كتابها ولا تعكس آراء الموقع.
يمنع أي لفظ يسيء للذات الالهية أو لأي دين كان أو طائفة أو جنسية.
جميع التعليقات يجب أن تكون باللغة العربية.
يمنع التعليق بألفاظ مسيئة.
الرجاء عدم الدخول بأي مناقشات سياسية.
سيتم حذف التعليقات التي تحوي إعلانات.
التعليقات ليست للتواصل مع إدارة الموقع أو المشرفين. للتواصل يرجى استخدام صفحة اتصل بنا.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
يجب ملىء حقل الاسم.
يجب ملىء حقل العنوان.
يجب ملىء حقل الرساله.
الاكثر مشاهدة
للاعلى تشغيل / ايقاف للاسفل