أخر الأخبار » العربي

الصين نحو محادثات نووية مع أميركا وروسيا؟

مع اقتراب انتهاء صلاحية معاهدة الأسلحة الرئيسية بين الولايات المتحدة وروسيا المعروفة باسم "ستارت- 3" أو "ستارت الجديدة" (نيو ستارت) لخفض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية النووية، في فبراير/شباط المقبل، تثار تساؤلات بشأن المعوقات التي تحول دون تجديد المعاهدة أو توسيعها لتشمل الصين. ودخلت المعاهدة حيز التنفيذ في الخامس من فبراير 2011، بعد المصادقة عليها في ميونخ، من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونظيرته الأميركية حينها، هيلاري كلينتون، فيما حُددت مدتها بعشر سنوات، قابلة للتمديد خمس سنوات إضافية. وعرضت روسيا، الاثنين الماضي، مواصلة الامتثال للمعاهدة، لكن لمدة عام واحد فقط، وبشرط قيام واشنطن بالأمر ذاته. وقال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في اجتماع متلفز إن "التخلي بالكامل عن إرث هذا الاتفاق سيكون، من وجهات نظر عدة، خطوة خاطئة وقصيرة النظر". وأضاف: "من أجل تجنّب إثارة سباق أسلحة استراتيجية... روسيا مستعدة لمواصلة الامتثال للقيود الكميّة الأساسية المنصوص عليها في معاهدة نيو ستارت بعد عام من تاريخ الخامس من فبراير 2026".  وتابع: "نعتقد أن هذا الإجراء لم يكن ممكناً إلا إذا تصرفت الولايات المتحدة بطريقة مماثلة، ولم تتخذ تدابير تقوّض أو تؤدي إلى اضطراب المستوى الحالي لقدرات الردع".  يُذكر أن الاتفاق يفرض على كل من الطرفين حداً أقصى من الرؤوس النووية الاستراتيجية يبلغ 1550 رأساً. وجمّدت روسيا مشاركتها في "نيو ستارت" في 2023، لكنها واصلت طوعاً التزام السقف المحدد في المعاهدة، التي تسمح لكل جانب بالقيام بعمليات تفتيش لترسانة الجانب الآخر النووية، رغم تعليق هذه العمليات أيضاً في أثناء فترة انتشار وباء كوفيد (2020)، ولم تُستأنف مذّاك. وحذرت وسائل إعلام صينية، الأحد الماضي، من أن العالم معرض لخطر الدخول في حقبة جديدة من عدم الاستقرار الاستراتيجي. وأضافت أن القمة التي عقدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ألاسكا، أغسطس/آب الماضي، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، فشلت في إحياء المفاوضات النووية المتوقفة منذ فترة طويلة أو تعزيز الجهود للحفاظ على آخر اتفاقية رئيسية للحد من الأسلحة النووية بين واشنطن وموسكو، التي تنتهي بعد حوالى خمسة أشهر. موقف الصين من المحادثات النووية وكانت مساعي ترامب اللاحقة لإجراء محادثات ثلاثية لنزع السلاح النووي بمشاركة الصين قد لاقت رفضاً قاطعاً من جانب بكين، ما يسلط الضوء على التحديات التي تواجه تمديد الاتفاقية وسط مخاوف من سباق تسلح نووي جديد. وفي أعقاب القمة الأميركية الروسية، قال ترامب للصحافيين في البيت الأبيض، الشهر الماضي، إنه يعتقد أن "نزع الأسلحة النووية هدف كبير جداً. لكن روسيا مستعدة للقيام بذلك، وأعتقد أن الصين ستكون مستعدة أيضاً". لكن الصين التي تتبنى سياسة "عدم الاستخدام الأول" للأسلحة النووية (عدم استخدام الأسلحة النووية وسيلة للحرب إلا إذا هاجمها الخصم أولاً)، رفضت اقتراح ترامب، ووصفه المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية قوه جيا كون، آنذاك بأنه "غير معقول ولا واقعي". وقال قوه: "إن القوة النووية الصينية لا تضاهي بأي حال من الأحوال قوة الولايات المتحدة"، مضيفاً أن "سياستنا النووية وبيئتنا الأمنية الاستراتيجية مختلفتان تماماً". وتؤكد بكين على مدار السنوات الماضية، أنها تحافظ على قوتها النووية عند الحد الأدنى المطلوب للأمن القومي، وأنها لا تشارك أبداً في سباق تسلح مع أحد. ومع ذلك، بحسب تقديرات غربية، فإن الصين سارعت في بناء ترسانتها النووية، إذ توسعت ترسانتها من حوالى 500 رأس حربي في أوائل عام 2024 إلى حوالى 600 بحلول يناير/كانون الثاني 2025، أي أنها أضافت 100 رأس حربي إلى مخزونها النووي خلال عام واحد فقط. وبذلك تكون أسرع ترسانة نووية نمواً في العالم، ومن المتوقع أن يستمر هذا العدد في النمو خلال العقد المقبل، وفقاً لمعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري). يشار إلى أنه حسب التقرير السنوي لـ"سيبري"، الذي صدر في يونيو/ حزيران الماضي، تمتلك روسيا أكبر ترسانة نووية في العالم بـ5459 رأساً نووياً، بينما تمتلك الولايات المتحدة 5177 رأساً نووياً، فيما تمتلك الدولتان معاً حوالى 90% من الأسلحة النووية في العالم. اعتبارات عسكرية في هذا الصدد، أوضح الباحث في مركز جيانغ شي للدراسات الاستراتيجية (الصين)، جياو بينغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "دعوة ترامب إلى خفض الأسلحة النووية، ليست الأولى، فقد دعا إلى ذلك في أول ولاية له (2017-2021)"، مضيفاً أن ترامب "أشار إلى الصين صراحة قبل أيام من تولي منصبه لولاية ثانية مطلع العام الحالي، عندما طرح فكرة تخفيض المخزون النووي عبر محادثات مع موسكو وبكين (وكرر ذلك عدة مرات من بينها في مارس/آذار الماضي)". جياو بينغ: موقف بكين هو التعامل على قدم المساواة بين الدول الثلاث وقال جيانغ شي، إن "موقف الصين واضح إزاء هذه الدعوة، وهو التعامل على قدم المساواة بين الدول الثلاث". يعني ذلك "أن تخفض الولايات المتحدة وروسيا مخزونهما من الأسلحة النووية إلى الحد الذي وصلت إليه الصين، وبعد ذلك يجري التوافق بشأن الحفاظ على حد معين، من دون أن تكون هناك غلبة لدولة على حساب أخرى". وأضاف أنه "في ضوء الرؤية الصينية، هناك خياران: إما أن ترفع بكين ترسانتها النووية لتتساوى مع موسكو وواشنطن، وإما أن يخفض البلدان مخزونهما للوصول إلى نقطة التقاء تصبح فيها المفاوضات منطقية". دا مينغ: بكين تخشى فخاً أميركياً للحد من قدراتها الصاروخية والنووية في المقابل، رأى دا مينغ، الباحث في مركز يون لين للأبحاث والدراسات (تايوان)، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الصين لديها اعتبارات خاصة بمسألة الانخراط في المحادثات النووية"، موضحاً أن "هناك خشية من أن يكون ذلك فخاً أميركياً للحد من قدرات بكين الصاروخية والنووية". وفي رأيه فإن "توسيع الولايات المتحدة مظلتها الأمنية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، عبر نشر أنظمة صواريخ متطورة كما حدث أخيراً في الفيليبين واليابان، يقلق بكين ويعتبر عاملاً أساسياً في دفعها نحو تعزيز ترسانتها النووية لزيادة كفاءة الردع والقدرات الدفاعية في ظل التهديدات الراهنة". وهناك عوامل أخرى، وفق دا مينغ، لها علاقة بدعوة الرئيس الصيني شي جين بينغ لتطوير القدرات العسكرية للجيش الصيني (حسب رؤية شي، تسعى الصين جاهدة لتحقيق تحديث أساسي للدفاع الوطني والجيش، بحلول عام 2049). ولفت إلى أن "أي استجابة أو رضوخ لضغوط خارجية تتعلق بتقليص قدرات ومخزون الصين من الأسلحة النووية سيُعد تراجعاً عن الهدف الأساسي الذي حدده شي". وكانت صحيفة الشعب الصينية، الناطقة باسم الحزب الشيوعي الصيني الحاكم، قد نشرت في أغسطس الماضي، وثيقة تكشف سعي الصين لتطوير قدرات جيشها مع تحديد سقف زمني لذلك، موضحة أنه يتعين على الجيش الصيني أن يقيس نفسه بأقوى جيش في العالم، في إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة، في مساعيه للتغلب على المنافسة العالمية. وتعد الوثيقة واحداً من أوضح التفسيرات لهدف شي، المتمثل ببناء جيش من الطراز العالمي بحلول منتصف القرن الحالي. وأشارت الوثيقة إلى أن الصين تهدف إلى الهيمنة على المسرح المركزي للمنافسة العسكرية والبقاء في الطليعة، وذلك من خلال تحقيق أعلى المعايير العالمية، ليس في مجالات الأسلحة والمعدات والبنية التنظيمية وأنظمة القتال فقط، ولكن أيضاً في النظرية العسكرية وتنمية المواهب وصفات التدريب.
بتاريخ:  2025-09-26


التعليقات على الموقع تعكس آراء كتابها ولا تعكس آراء الموقع.
يمنع أي لفظ يسيء للذات الالهية أو لأي دين كان أو طائفة أو جنسية.
جميع التعليقات يجب أن تكون باللغة العربية.
يمنع التعليق بألفاظ مسيئة.
الرجاء عدم الدخول بأي مناقشات سياسية.
سيتم حذف التعليقات التي تحوي إعلانات.
التعليقات ليست للتواصل مع إدارة الموقع أو المشرفين. للتواصل يرجى استخدام صفحة اتصل بنا.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
يجب ملىء حقل الاسم.
يجب ملىء حقل العنوان.
يجب ملىء حقل الرساله.
الاكثر مشاهدة
للاعلى تشغيل / ايقاف للاسفل