أخر الأخبار » العربي

حملات التشهير الإلكترونية تربك الإعلام السوري

بات من المألوف عند تصفّح منصّات التواصل الاجتماعي في سورية ظهور صفحات تحمل مسميات مثل فضح "الشبّيحة" (أنصار النظام الساقط)، أو ملاحقة المجرمين. ويرتكز محتوى هذا النوع من الصفحات على صور مرفقة بمعلومات يُشاع أنها لأشخاص من مرتكبي الانتهاكات بحق السوريين، فيما يفتقر معظمها إلى الأدلة القانونية والدقة والتوثيق المهني، وينشر بعضها أساساً على خلفية خلافات أو نزاعات شخصية أو اقتصادية أو عشائرية. تحوّلت هذه المواد إلى ظاهرة وضعت وسائل الإعلام الحكومية أمام تحدٍّ مباشر، وكذلك معظم وسائل الإعلام التي تنشط في سورية، إذ يصبّ خطاب هذه الصفحات في إطار التحريض والمحاسبة خارج نطاق العدالة، ويعزّز الشعور بغياب القانون، والدعوة إلى الانتقام والثأر. وتطرح هذه الظاهرة أسئلة بشأن دور وسائل الإعلام الحكومية في ترسيخ خطاب مسؤول قائم على العدالة وسيادة القانون، وكذلك مسؤولية وسائل الإعلام في الحد من هذا المحتوى التحريضي ومنع الانزلاق نحو ممارسات انتقامية خارج إطار القانون. هذه الظاهرة الخطيرة تحمل الكثير من التداعيات، وفق رؤية الصحافي السوري خالد سميسم، الذي قال لـ"العربي الجديد" إن الأمر يحتاج تحرّكاً للحدّ منه، لافتاً إلى أن نشر أي محتوى يتضمن تشهيراً أو تحريضاً بلا أدلة ضد أشخاص أو كيانات أو إعادة تداوله أمر بالغ الأهمية. وشدّد على ضرورة تصحيح المعلومات المضللة المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتفنيد الروايات التي تروّج لها الصفحات المشبوهة. ويضيف سميسم أن الإعلام السوري يحتاج حاليّاً إلى خطة ربما تكون طويلة الأمد، لتوعية الجمهور بمخاطر ما سمّاها "المحاكمات الإلكترونية" ونتائج التحريض على الأفراد، نظراً إلى أن أثرها السلبي سريع، وقد يمتد لفترات طويلة. وحول الدور المطلوب من الإعلام السوري الحكومي في مواجهة هذه الظاهرة، أكد سميسم ضرورة تطبيق نظام رقابي يتضمن وضع مدوّنة سلوك تمنع نشر الاتهامات الفردية غير الموثقة، مشيراً إلى أنه يعتقد أن وزارة الإعلام انتهت أخيراً من وضع إطار ورؤية لهذه المدوّنة. ويعدّ إنشاء غرف رصد تتابع المحتوى التحريضي وتبلّغ الجهات المختصة به أحد الحلول التي يمكن اللجوء إليها، وفق سميسم، إلى جانب ضرورة التنسيق مع الجهات القانونية لتطبيق قوانين التشهير والتحريض والكراهية، مع أهمية نشر المحاكمات للجمهور. ورأى أن نشر رواية رسمية سريعة وواضحة من شأنه سدّ الفراغ المعلوماتي ومنع استغلاله، ما يسهم في تعزيز دور وسائل الإعلام ذات المعايير المهنية. ويبرز دور وسائل الإعلام المهنية أمام هذه الظاهرة، كما يقول سميسم، عبر توفير محتوى موثوق وسريع يكون بديلا للشائعات، وتعزيز الشفافية والدقة لكسب ثقة الجمهور وإزاحة الخطاب التحريضي عن منصّات التواصل. وقال رئيس تحرير صحيفة الثورة، نور الدين إسماعيل، لـ"العربي الجديد" إن لوسائل الإعلام دوراً أساسياً في الدفع نحو تطبيق العدالة وسيادة القانون، بتسليط الضوء على الانتهاكات والجرائم بمهنية وموضوعية، بعيداً عن التحريض وكيل الاتهامات جزافاً دون دلائل دامغة. وأضاف إن هذا الدور المنضبط يواجه حالة من العشوائية في النشر على وسائل التواصل، حيث تُوجَّه اتهامات لأشخاص قد يكون لهم يد في الانتهاكات أو لا، ما يدفع أهالي الضحايا إلى الأخذ بالثأر بعيداً عن سلطة القانون والمحاكم العادلة. وبيّن إسماعيل أن وقف الخطاب التحريضي أمر بالغ الصعوبة، لأن وسائل التواصل الاجتماعي متاحة للجميع وتوفر سيلاً من المعلومات بعيداً عن دقتها، ما يجعلها أكثر انتشاراً. في المقابل، تتعرض وسائل الإعلام الملتزمة بالمهنية للانتقاد فقط لأنها لا تساير الخطاب الشعبوي. وأضاف: "يمكن الحد من هذا الخطاب إلى حد ما من خلال تسليط الضوء على العمليات الأمنية لإلقاء القبض على مرتكبي الانتهاكات وعرضهم على المحاكم، ومتابعة هذه القضايا وتفنيد الادعاءات الباطلة أحياناً"، موضحاً أن الإعلام السوري يمكن أن يكشف خطورة عمليات الثأر المنفلتة بعيداً عن محاسبة الدولة، لأنها تؤثر على مساعي الحكومة في ضبط الأمن وملاحقة المجرمين، وتفتح الباب لارتكاب جرائم بحجة الثأر. ويمكن إيجاد حالة تكامل بين وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية والمؤسسات الحكومية للحد من هذه الظاهرة وتقليص أثرها. وفي هذا السياق، قال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني لـ"العربي الجديد" إن المنظمات الحقوقية تنشر تقاريرها عن مرتكبي الانتهاكات وفق معايير مهنية بعيدة عن خطاب الكراهية، بينما قد تعمد صفحات معينة إلى استهداف أشخاص على خلفية أحقاد أو نزاعات مالية أو عشائرية، مؤكداً الدور الحيوي للإعلام في مواجهة هذا الأمر وكشف الحقائق. ولفت عبد الغني إلى أهمية وجود خطوات للضبط، منها استبعاد من تورط في انتهاكات من المؤسّسات الحكومية وفق أدلة وإثباتات، محاً أن عمليات العزل جزء من المحاسبة، كي لا يذهب الأمر إلى صفحات التواصل التي تؤجج المشاعر وتولّد عمليات انتقام. وشدّد على ضرورة إبقاء المحاسبة ضمن إطار مؤسّسات الدولة بالتعاون مع الجهات الحقوقية.
بتاريخ:  2025-11-25


التعليقات على الموقع تعكس آراء كتابها ولا تعكس آراء الموقع.
يمنع أي لفظ يسيء للذات الالهية أو لأي دين كان أو طائفة أو جنسية.
جميع التعليقات يجب أن تكون باللغة العربية.
يمنع التعليق بألفاظ مسيئة.
الرجاء عدم الدخول بأي مناقشات سياسية.
سيتم حذف التعليقات التي تحوي إعلانات.
التعليقات ليست للتواصل مع إدارة الموقع أو المشرفين. للتواصل يرجى استخدام صفحة اتصل بنا.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
يجب ملىء حقل الاسم.
يجب ملىء حقل العنوان.
يجب ملىء حقل الرساله.
الاكثر مشاهدة
للاعلى تشغيل / ايقاف للاسفل