أخر الأخبار » العربي

مشروع الضبعة النووي... منفعة متبادلة لمصر وروسيا

تسير روسيا ومصر خطوة تلو الأخرى نحو إكمال أعمال إنشاء أول محطة نووية مصرية في منطقة الضبعة في محافظة مطروح على الساحل الشمالي الغربي، وسط توقعات بأن يساعد المشروع النووي في تلبية حاجيات مصر المتزايدة من الطاقة الكهربائية في ظل الانفجار السكاني الذي تعيشه، ويعزز أيضاً مكانة شركة "روس آتوم" الحكومية الروسية في السوق العالمية للطاقة النووية رغم ضغوط العقوبات الغربية المفروضة على موسكو. وفي آخر تطور في ملف محطة الضبعة، شارك الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين، والمصري عبد الفتاح السيسي، عبر تقنية الفيديو في الأسبوع الماضي، في مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة، كما جرى توقيع أمر شراء الوقود النووي. ويجزم الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية ومعهد دراسات الشرق الأوسط في موسكو، سيرغي بالماسوف، بأنّ مشروع الضبعة يحقق منفعة متبادلة للبلدَين من جهة تعزيز روسيا مكانتها قوةً تكنولوجية رائدة قادرة على إنجاز مشاريع عملاقة حتى في ظروف العقوبات الغربية، متوقعاً أن تعزّز مصر هي الأخرى سيادتها التكنولوجية وتزيد من قدرتها التنافسية بفضل توفر مصدر مستديم للطاقة الكهربائية. ويقول بالماسوف في حديث لـ"العربي الجديد": "تحقيق مشروع الضبعة يزيد من مكانة روسيا على الساحة الدولية كونه يفند مزاعم الخصوم حول التأخر التكنولوجي الروسي، بل يظهر قدرتها على إنجاز مثل هذه المشاريع الضخمة خلال فترة وجيزة نسبياً وعون الشركاء في مواكبة الحاجيات المتزايدة من الطاقة، كما أن تحقيق المشروع يشكل دليلاً على قدرة روسيا على مواصلة أعمالها في الخارج حتى في ظروف العقوبات الغربية، ما يعني أن دولاً أخرى قد تحذو حذو مصر في مسألة إسناد مشاريع ضخمة إلى شركات روسية". وحسب النبذة على موقع "روس آتوم"، فإنّ شركة "آتوم ستروي إكسبورت" التابعة لها والمعنية بإنشاء محطات نووية في الخارج كمقاول عام، تتولى في الوقت الحالي أعمال بناء محطات نووية عدّة خارج روسيا، بما في ذلك في بيلاروسيا وكازاخستان وأوزبكستان وتركيا ومصر والهند وبنغلادش والصين وحتى المجر، ما يدفع بودابست دوماً لمعارضة أي عقوبات أوروبية تمسّ التعاون مع موسكو في مجال الطاقة الذرية، كما كثفت "روس آتوم" في الفترة الأخيرة مفاوضاتها مع طهران بشأن إنشاء محطات نووية جديدة، علماً أن روسيا قد أنشأت محطة بوشهر النووية الإيرانية التي جرى تشغيل وحدتها الأولى في عام 2011. وبالعودة إلى المكاسب التي تجنيها مصر جراء تحقيق مشروع الضبعة، يضيف بالماسوف: "ستوفر المحطة الطاقة الكهربائية بلا انقطاع بأسعار زهيدة، ما سيسهم في تطوير قطاع الصناعة وخفض تكلفة المنتجات وزيادة قدرتها التنافسية وحل مشكلة انقطاع الكهرباء حلاً جذرياً، يضاف إلى ذلك أن تشغيل المحطة سيتيح الحد من استهلاك الغاز الطبيعي وتوجيه فوائضه للتصدير أو تطوير قطاع الصناعة، ما ينعكس إيجاباً على عوائد الخزينة المصرية ويوفر مزيداً من فرص العمل للشباب"، ويخلص إلى أن مشروع محطة الضبعة ما كان له أن يجري لولا الإرادة الروسية المصرية المتبادلة لإنجازه رغم العقبات والعقوبات الغربية. من جانبه، يرى الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، إيفان بوتشاروف، أن تحقيق مشروع الضبعة يشكل محطة مفصلية في مسيرة العلاقات الروسية المصرية لا تقل أهمية عن الدعم السوفييتي في بناء السد العالي في أسوان جنوبي مصر في ستينيات القرن الـ20، مشيراً إلى أن المحطة لن تحقق لمصر اكتفاء ذاتياً من الطاقة الكهربائية فحسب، بل ستتيح أيضاً تصدير فوائضها. ويقول بوتشاروف في حديث لـ"العربي الجديد": "مشروع محطة الضبعة لا يقل أهمية عن السد العالي، إذ إنّ محطة الضبعة تعزّز سيادة مصر في مجالات الاقتصاد والطاقة والتكنولوجيا، وتساهم في تأسيس الاقتصاد القائم على الابتكار. يضاف إلى ذلك أن إنشاء المحطة لن يغطي حاجيات مصر المتزايدة من الطاقة الكهربائية فحسب، بل سيتيح تصدير الفوائض أيضاً". ويجزم بأن مشروع الضبعة يشكل تجسيداً لتعزيز التعاون الروسي المصري، مضيفاً: "العزم المتبادل على تحقيق المشروع يشكل عموداً أساسياً للتعاون الروسي المصري الذي لم يتأثر بالتغيّرات في المشهد السياسي المصري وتتابع الرؤساء والحكومات خلال السنوات الـ15 الأخيرة، خاصة وأن إنشاء المحطة يعزز التعاون العلمي أيضاً، ما يؤثر إيجاباً على وضع العلاقات الروسية المصرية". وكانت مصر قد بدأت برنامجها النووي في السبعينيّات من القرن الماضي، لكن عقب كارثة محطة تشيرنوبيل في الاتحاد السوفيتي عام 1986 التي أسفرت عن أكبر تلوث إشعاعي في التاريخ، جمدت مصر، شأنها في ذلك شأن غيرها من الدول، مشروعها النووي وسط تساؤلات حول مدى أمان الطاقة الذرية. وبعد مرور أكثر من عقدين على الكارثة وتدارك الأخطاء في الأجيال الجديدة من المفاعلات النووية وتشديد معايير الأمان، توجهت دول عدّة لاستئناف مشاريعها النووية. وفي عام 2008، أعلن الرئيس المصري الراحل، حسني مبارك، استئناف البرنامج النووي المصري، قبل أن يحسم في عام 2010 جدلاً حول موقع أول محطة نووية ويعلن اختيار منطقة الضبعة لإقامتها. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وقّعت روسيا ومصر على اتفاقية حكومية لبناء محطة نووية في الضبعة، ونصت على بناء وتشغيل محطة مكونة من أربع وحدات بقوة 1200 ميغاواط لكل واحدة منها. وأسفرت زيارة أخرى أجراها بوتين إلى مصر في نهاية عام 2017، عن التوقيع على العقود التجارية اللازمة لإنشاء المحطة التي تقدر القيمة الإجمالية لإنشاء وحداتها الأربع بـ21 مليار دولار. وفي إطار الاتفاق، خصّصت روسيا قرضاً مدته 22 عاماً لتمويل المشروع بنسبة فائدة 3% فقط مع بدء سداد القرض في عام 2029، ما يعني، في الواقع، تمويلاً روسياً للمشروع بمراحله كافّة حتى إكمال أعمال بناء المحطة وتشغيلها، علماً أن إقراض المشاريع أو الصادرات الروسية بفائدة تنافسية يعد من الأدوات التي تعتمد عليها روسيا في علاقاتها الاقتصادية الخارجية لتعزيز مكانة الصادرات والمقاولات الروسية حول العالم.
بتاريخ:  2025-11-25


التعليقات على الموقع تعكس آراء كتابها ولا تعكس آراء الموقع.
يمنع أي لفظ يسيء للذات الالهية أو لأي دين كان أو طائفة أو جنسية.
جميع التعليقات يجب أن تكون باللغة العربية.
يمنع التعليق بألفاظ مسيئة.
الرجاء عدم الدخول بأي مناقشات سياسية.
سيتم حذف التعليقات التي تحوي إعلانات.
التعليقات ليست للتواصل مع إدارة الموقع أو المشرفين. للتواصل يرجى استخدام صفحة اتصل بنا.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
يجب ملىء حقل الاسم.
يجب ملىء حقل العنوان.
يجب ملىء حقل الرساله.
الاكثر مشاهدة
للاعلى تشغيل / ايقاف للاسفل