أخر الأخبار » العربي

ماذا يعني ذهاب لبنان إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل؟

يتعرض لبنان لضغوط عدّة ولا سيما من الجانب الأميركي للرضوخ للشروط الإسرائيلية، وعلى رأسها الذهاب نحو التفاوض المباشر مع إسرائيل مساراً أساسياً للتهدئة في ظل استمرار التصعيد العسكري وارتفاع وتيرة التهديدات بتوسعة العدوان باتجاه بيروت. وعلى الرغم من تمسّك لبنان في الفترات الماضية بمبدأ المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، على غرار ترسيم الحدود البحرية عام 2022، باتت المواقف أخيراً ضبابية بهذا الشأن، خصوصاً بعد تصريح الرئيس جوزاف عون بأن لبنان مستعدّ للمفاوضات من أجل إنهاء الاحتلال وقوله إن "شكل التفاوض وزمانه ومكانه تُحدّد لاحقاً"، علماً أن الانقسام الداخلي لا يزال قائماً، خصوصاً من جانب محور حزب الله ورئيس البرلمان نبيه بري الرافض لأي مفاوضات مباشرة. وتتجه الأنظار إلى ما إذا كان لبنان سيقدّم تنازلاً بهذا الاتجاه، خصوصاً أنّ هناك دعوات لبنانية من قوى سياسية معارضة لحزب الله تؤيد التفاوض المباشر وتدعو له، والضغوطات الأميركية متواصلة للدفع أيضاً نحوه، وهو ما سيحمله معه ضمن أجندته السفير الأميركي الجديد في بيروت، ولبناني الأصل، ميشال عيسى، المنتظَر وصوله قريباً إلى البلاد لتولي مهامه. علماً أنّ كل الخطوات التي قام بها لبنان، آخرها قبوله بضمّ تقنيين مدنيين إلى لجنة التفاوض وقبلها إقرار ورقة الأهداف الأميركية وإقرار خطة حصر السلاح، لم تؤدّ إلى وقف الاعتداءات الإسرائيلية. ماذا يعني دخول لبنان بمفاوضات مباشرة مع إسرائيل؟ وبالوقوف عند معنى وتداعيات دخول لبنان في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، يقول المحامي الدكتور زكريا الغول لـ"العربي الجديد"، إنّه "من الوجهة القانونية الصرفة، يُقصد بالتفاوض المباشر أن يجتمع طرفان يتمتعان بالشخصية القانونية الدولية في لقاء وجاهي، دون وساطة، لبحث تسوية نزاع أو تنظيم علاقة بينهما، غير أن التفاوض بحدّ ذاته لا يُنتج التزامات قانونية مُلزمة، إذ لا يكتسب أي مفاعيل إلا إذا تُوِّج باتفاق مكتوب يستوفي شروط اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969، وصودق عليه وفق الأصول الدستورية في كل دولة، وبالتالي، فالتفاوض المباشر هو في جوهره إجراء سياسي تمهيدي، بينما الالتزام القانوني لا ينشأ إلا عن معاهدة مصادق عليها أصولاً". ويردف الغول: "أما في البعد السياسي – القانوني، فإنّ الدخول في تفاوض مباشر مع إسرائيل يُثير إشكاليات معقدة تتعلق بالسيادة، والشرعية الدستورية، وطبيعة الاعتراف المتبادل. إذ قد يُفهم هذا التفاوض، ولو ضمناً، على أنه اعتراف سياسي وقانوني، ما لم يُحدَّد مسبقاً الإطار القانوني والموضوعي للمحادثات ومرجعيتها الدولية، وبما يضمن بقاءها تحت سقف القرارات الدولية ذات الصلة". موضحاً أنه في هذا السياق "تبرز ملاحظة بالغة الأهمية، وهي أنّ الولايات المتحدة وإسرائيل تطلبان أن تضمّ الوفود المتفاوضة أفراداً مدنيين، بحجة إعطاء المفاوضات طابعاً مدنياً أو سياسياً أوسع من الإطار العسكري – التقني، غير أن هذا الطرح ينطوي على أبعاد قانونية وسيادية دقيقة، لأنه يُحوّل طبيعة التفاوض من مسارٍ فني محدّد إلى قناة تفاوضية سياسية قد تُفهم بأنها إقرار متبادل بالصفة التمثيلية للطرفين". من هنا، يقول الغول "يجب أن يُنظر إلى مطلب إشراك المدنيين لا بوصفه إجراءً شكلياً، بل جزءاً من محاولة لتبديل طبيعة المفاوضات وموقعها القانوني، وهو ما يستدعي تفويضاً دستورياً صريحاً من السلطات اللبنانية المختصّة لتحديد حدود المهمة وطبيعتها ونتائجها المحتملة"، مضيفاً: "لذلك، فإنّ أيّ توجه لبناني نحو تفاوض مباشر، أياً كانت تركيبته، يجب أن ينطلق من رؤية وطنية موحّدة تستند إلى القانون الدولي العام وميثاق الأمم المتحدة، وتُراعي مقتضيات السيادة وعدم التطبيع قبل تحقيق الانسحاب الكامل ورفع الاحتلال، كما يجب أن يتمسك لبنان بقاعدة أساسية، وهي أن التفاوض هو أداة للدفاع عن الحقوق وليس للتنازل عنها، وأنّ إشراك المدنيين لا يجوز أن يتحوّل إلى غطاء سياسي لتغيير طبيعة الصراع أو إضفاء شرعية على وقائع الاحتلال". من جانبه، يوضح أستاذ مادة القانون في الجامعة اللبنانية، المحامي جاد طعمه، لـ"العربي الجديد"، أن المفاوضات بين لبنان وإسرائيل "تبقى مسألة شديدة الحساسية في الوعي الوطني، إذ ترتبط بتاريخٍ طويل من التجارب المتناقضة، فمنذ اتفاقية الهدنة عام 1949، مروراً باتفاق 17 مايو/أيار 1983 الذي سقط تحت ضغط الشارع ووصولاً إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية في عام 2022، يظهر أن التفاوض غير المباشر هو الصيغة الوحيدة التي تمكنت من الصمود، لأنها حافظت على المسافة السياسية اللازمة وراعت المزاج الشعبي الرافض لأي مظهر من مظاهر التطبيع". ويرى طعمه أن "الحديث عن التفاوض يجب أن يُفهم في سياق الضرورة الوطنية لا في سياق القبول بالعدو. فحين تُستنزف كل الوسائل الأخرى وتتعطل لغة الحرب، يصبح التفاوض وسيلة لإدارة الصراع لا لإنهائه بشروط الآخرين. من هنا يمكن تفهّم منطلقات الرئاسة اللبنانية التي تتحدث عن الواقعية وتحقيق المصلحة الوطنية، شرط ألا يتحول هذا المسار إلى مدخل لتغيير الموقف السياسي الثابت من الاحتلال ومن الحقوق العربية، وفي مقدمتها الحق الفلسطيني". ويشير طعمه إلى أن الشارع اللبناني يعيش حالة من الحذر المزدوج: فهو يدرك عبء المواجهة المستمرة وكلفتها الاقتصادية، لكنه في الوقت نفسه لا يثق بجدية إسرائيل أو بنيّاتها، خاصة في ظل استمرار الاعتداءات والانتهاكات. لذلك يبقى القبول الشعبي محصوراً بأي تفاوض غير مباشر، محدود الهدف وواضح الغاية، لا يتجاوز حدود الدفاع عن السيادة والمصلحة الوطنية". مضيفاً أن "نجاح أي مسار تفاوضي محتمل مرهون بقدرته على احترام هذه المعادلة الدقيقة: أن يكون حواراً من موقع الندّية لا الضعف، وأن يُدار بوسائل غير مباشرة تحفظ الموقف المبدئي للبنان. فالتفاوض قد يكون ضرورة، لكنه لا يمكن أن يكون تنازلاً، لا سلاماً حقيقياً ما لم يقترن بالعدالة والسيادة الكاملة". عون: استقرار لبنان يصبّ في مصلحة أوروبا وضمن المواقف السياسية، أكد الرئيس جوزاف عون لوزير الدفاع الهولندي روبين بريكلمانز، اليوم الثلاثاء، في قصر بعبدا أن "استقرار لبنان يصبّ في مصلحة أوروبا"، مشدداً على "وجوب التزام إسرائيل بما تم الاتفاق عليه في تشرين الثاني 2024، ولا سيما أن لبنان نفّذ جميع التزاماته ولا يزال ملتزمًا بها رغم الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة". وتواصل إسرائيل خرقها لاتفاق وقف إطلاق النار، مغيرة في الأيام الماضية بعض المعادلات التي كانت سائرة عليها، بحيث باتت تنفذ غاراتها بشكل مكثف في أماكن سكنية ومكتظة بالمدنيين وقريبة من المدارس والمؤسسات والمحال التجارية، وقد أسفرت الاعتداءات التي طاولت البقاع والجنوب، في أقلّ من أسبوعين عن استشهاد نحو 25 شخصاً وأكثر من عشرين جريحاً. وفي إطار الخروقات، توغّل جيش الاحتلال فجر اليوم الثلاثاء، في منطقة كروم المراح شرق بلدة ميس الجبل جنوبي لبنان وفجّر أحد المنازل.
بتاريخ:  2025-11-04


التعليقات على الموقع تعكس آراء كتابها ولا تعكس آراء الموقع.
يمنع أي لفظ يسيء للذات الالهية أو لأي دين كان أو طائفة أو جنسية.
جميع التعليقات يجب أن تكون باللغة العربية.
يمنع التعليق بألفاظ مسيئة.
الرجاء عدم الدخول بأي مناقشات سياسية.
سيتم حذف التعليقات التي تحوي إعلانات.
التعليقات ليست للتواصل مع إدارة الموقع أو المشرفين. للتواصل يرجى استخدام صفحة اتصل بنا.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
يجب ملىء حقل الاسم.
يجب ملىء حقل العنوان.
يجب ملىء حقل الرساله.
الاكثر مشاهدة
للاعلى تشغيل / ايقاف للاسفل