أخر الأخبار » العربي

"عصر الإبادات" لـ خوسيه أنخيل خمينيث.. حين تصير العدالة ديكوراً

يبدأ الكتاب من الجملة التالية: "الإبادة الجماعية هي أبشع أشكال العنف، لكنها في عصر المعلومات والضجيج الإعلامي فقدت دقّتها الأخلاقية واللغوية، إذ أصبح المصطلح يُستخدم بخفة لوصف أحداث لا ترقى دائماً إلى حدّ الإبادة كما عرّفها القانون الدولي". هي جملة تعلن، بطريقة ما، مسعى الكاتب والكتاب على حدٍّ سواء: إعادة تعريف المفاهيم القانونية الكبرى مثل: الإبادة، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب، العدوان – مميزاً بينها بدقة، ومقدّماً شروحاً مبسطة لقارئ غير متخصّص، من دون أي إفراط أو صرامة أكاديمية.  هذا تحديداً ما يتتبعه كتاب "عصر الإبادات" للباحث الإسباني خوسيه أنخيل لوبيث خمينيث، أستاذ العلاقات الدولية والقانونية في جامعة كوميياس، حيث يقف عند الفظائع الكبرى التي عرفها القرن العشرون وبدايات القرن الحادي والعشرين، طارحاً السؤال التالي: لماذا توجد إبادات رغم كل المواثيق والمحاكم والقوانين؟ يرصد الكتاب رحلة الدم والعدالة عبر قرنٍ من التاريخ: من الهولوكوست النازي إلى إبادة الأرمن، ثم رواندا وسربرنيتسا ودارفور والروهينغا واليَزيديين، وصولاً إلى أوكرانيا ثم فلسطين، اللتين تمثلان – في رأي المؤلف – ذروة فشل النظام الدولي في حماية الإنسان من آلة الحرب والدمار. الكاتب جريء: لا يتردد  في وصف ما يحدث في غزة بأنه إبادة جماعية بالمعنى القانوني والسياسي، منتقداً الصمت الغربي والتواطؤ الدولي، ومشيراً إلى أن الإفلات من العقاب يعود بالدرجة الأولى إلى الإرادة السياسية الغائبة والمصالح الجيوسياسية التي تتقدم على العدالة، لا إلى غياب المحاكم. يقول: "القانون موجود، والمحاكم قائمة، لكن العدالة لا تزال عمياء أمام الضحايا الذين لا يملكون حلفاء أقوياء". يقدّم لوبيث عرضاً شائقاً لتطور العدالة الدولية منذ محاكم نورنبرغ وطوكيو بعد الحرب العالمية الثانية، وصولاً إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، ودور محكمة العدل الدولية في الفصل في النزاعات بين الدول. ينحاز إلى الذاكرة الإنسانية بوصفها شكلاً من أشكال المقاومة غير أنه يذكّر بأن هذه المؤسسات القانونية الكبرى، رغم أهميتها التاريخية، تبقى محكومة بمنطق القوة: فـ"لا أحد يحاكم الأقوياء"، كما يقول، مستشهداً بحالات متعددة من ازدواجية المعايير، حين تُحاكم بعض الدول وتُستثنى أخرى رغم ارتكابها جرائم مماثلة. ولا ينحصر الكتاب في سرد الجرائم أو تفكيك القوانين، فمؤلفه ينحاز إلى الذاكرة الإنسانية بوصفها شكلاً من أشكال المقاومة. هكذا تأخذ الذاكرة في الكتاب بعداً سياسياً تمنع تطبيع العنف ونسيان الضحايا فـ"حين يُمحى اسم الضحية من الذاكرة، تبدأ الإبادة الثانية — إبادة المعنى". من هذا المنطلق، يمكن اعتبار الكتاب نداءً إنسانياً ضد النسيان، وضد ما يسميه الكاتب "تآكل الضمير العالمي" في عصر السرعة والمصالح. لا يتحدث  لوبيث خمينيث من برجٍ قانونيٍّ عالٍ، ولا يثقل على قارئه بالمصطلحات القانونية، بل يسرد من موقع الشاهد والمؤمن بأن القانون الدولي صار بلا ضميرٍ إنساني، وبأنه يتحوّل إلى مجرد ديكور. ولهذا، يضع القارئ أمام سؤالٍ موجع: هل نحن في عالمٍ تتراجع فيه العدالة بقدر ما تتسع المعرفة؟
بتاريخ:  2025-11-01


التعليقات على الموقع تعكس آراء كتابها ولا تعكس آراء الموقع.
يمنع أي لفظ يسيء للذات الالهية أو لأي دين كان أو طائفة أو جنسية.
جميع التعليقات يجب أن تكون باللغة العربية.
يمنع التعليق بألفاظ مسيئة.
الرجاء عدم الدخول بأي مناقشات سياسية.
سيتم حذف التعليقات التي تحوي إعلانات.
التعليقات ليست للتواصل مع إدارة الموقع أو المشرفين. للتواصل يرجى استخدام صفحة اتصل بنا.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
يجب ملىء حقل الاسم.
يجب ملىء حقل العنوان.
يجب ملىء حقل الرساله.
الاكثر مشاهدة
للاعلى تشغيل / ايقاف للاسفل