أخر الأخبار » العربي

عصب اقتصاد غزة: الحرب أنهكت قطاع الخدمات الحيوي

يعاني القطاع الخدمي في غزة انكماشا حادا، وهو الذي كان العصب الرئيسي للاقتصاد في سنوات الحصار والحروب، قبل أن تندلع الحرب الأخيرة في أكتوبر 2023 وتدمر جانبا كبيرا من بنيته التحتية ومرافقه الحيوية، ما انعكس مباشرة على مستويات الدخل والبطالة وحركة السوق. وكان هذا القطاع يشكّل قبل الحرب حوالي 54.9% من الناتج المحلي ويشغل أكثر من نصف القوى العاملة (51.6%)، وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. ومع اشتداد الحرب وتدمير البنية التحتية، تراجع نشاط هذا القطاع لأقل من الربع فقط، وهو ما أدى إلى توقف آلاف المنشآت التجارية والتعليمية والصحية والخدمية عن العمل. ومن حيث التشغيل، كان عدد العاملين في القطاع الخدمي عام 2022 يقارب 147 ألف عامل من أصل 285 ألفاً، لكن مع فقدان الاقتصاد ما بين 182 و192 ألف وظيفة خلال الأشهر الأولى من الحرب، تراجع عدد العاملين في هذا القطاع إلى ما بين 50 و60 ألف عامل فقط، أي خسارة تتجاوز ثلثي القوة العاملة. وتعكس هذه الأرقام عمق الأزمة ومدى أثر الحرب في النشاط الاقتصادي القائم على الخدمات اليومية والتعليم والصحة والتجارة. وأعاد أنور رامي افتتاح الكافتيريا التي اضطر إلى نقلها من مخيم جباليا شمال القطاع، إلى منطقة الميناء بمدينة غزة، بعد تدمير المنطقة في الأشهر الأولى للحرب. وقال أنور لـ"العربي الجديد" إن الكافتيريا كانت مصدر رزق أساسيا له على مدار 9 سنوات ولاثني عشر عاملاً، لكنهم فقدوا دخلهم تماما بعد أن أُجبروا على إغلاقها لعدة شهور. وأضاف: "لم يكن أمامي خيار سوى المحاولة من جديد، استأجرت مكاناً صغيراً في منطقة الميناء وجهّزته بما تيسر، فقط لأعيد العمل وأساعد العمال الذين يعتمدون على هذا المشروع في إعالة أسرهم". وتابع: "مع وقف إطلاق النار بدأ الزبائن يعودون تدريجيا، خاصة مع بث مباريات كرة القدم التي حرمنا منها طويلاً خلال الحرب" مشيراً إلى أنّ المشروع رغم صغره يمثل بالنسبة له ولرفاقه نافذة أمل، قائلاً: "نحن لا نملك رفاهية الانتظار حتى تأتي المساعدات، علينا أن نعمل بما نملك، ولو كان قليلاً". ورغم أن هذه المشاريع لا تمثل تعافياً شاملاً، إلا أنها تشكل مؤشراً إلى مرونة المجتمع الغزي وقدرته على التكيف وابتكار حلول في مواجهة الأزمات، فالاقتصاد الخدمي يعتمد في جوهره على رأس المال البشري والخدمات المباشرة، ما يمنحه قدرة أسرع على إعادة التشغيل مقارنة بالقطاعات الأخرى. أما محمد فضل، طبيب الأسنان من مدينة خانيونس جنوب القطاع، فقد عاش تجربة مختلفة لا تقل قسوة، وقال فضل لـ"العربي الجديد": "في الشهور الأولى للحرب، دمرت طائرة الاحتلال المبنى الذي تقع فيه عيادتي بالكامل، فقدت كل شيء من أجهزة وكراس طبية وملفات وحتى جهاز التصوير، كانت صدمة كبيرة لي لأنني خسرت مصدر رزقي. وأضاف: "بعد شهور من النزوح، تمكنت من استئجار مكان صغير مؤقتا في مخيم النصيرات وسط القطاع، وافتتحت عيادتي مجددا بإمكانات محدودة". وتابع: "أعمل الآن بأجهزة بسيطة جلبتها من أصدقائي، لكني أواجه صعوبة كبيرة في الحصول على المعدات والأدوات الطبية الحديثة بسبب إغلاق المعابر ومنع سلطات الاحتلال من إدخالها". وأكد أن استمرار هذا الوضع يجعل العمل شبه مستحيل: "حتى المواد الأساسية للحشو أو التعقيم يصعب العثور عليها، نضطر أحيانا لتأجيل علاج المرضى أو استخدام بدائل أقل جودة". وختم قائلاً: "نحن نحاول الصمود، لكننا بحاجة إلى دعم حقيقي لإعادة بناء البنية الطبية والخدمية، فمن دون ذلك لن يكون هناك تعافٍ حقيقي في غزة". من جانبه، رأى المختص في الشأن الاقتصادي، عماد لبد، أن القطاع الخدمي هو الأسرع في التعافي مقارنة بالقطاعات الإنتاجية الأخرى، قائلاً: "القطاع الخدمي أثبت خلال سنوات الحصار أنه أكثر مرونة، لأنه لا يعتمد بشكل كبير على المواد الخام، بل على الخبرة البشرية والأنشطة المحلية مثل التجارة والتعليم والصحة والنقل والخدمات الحكومية". وأضاف لبد في حديث لـ"العربي الجديد": "هناك تغيّر هيكلي حدث خلال سنوات الحصار الطويلة، إذ تراجعت الاستثمارات في الصناعة والزراعة بسبب القيود المفروضة على إدخال المواد الخام، في حين توجهت رؤوس الأموال الصغيرة نحو الخدمات، مما جعل هذا القطاع يشكل أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي لاقتصاد غزة حتى قبل الحرب". وأشار إلى أن الحرب عطّلت أغلبية النشاطات الخدمية، من التعليم إلى الصحة والنقل والتجارة، لكن القطاع بدأ يشهد محاولات نهوض جزئية عبر مبادرات فردية ومجتمعية، مشددا على أن هذه المحاولات تبقى ناقصة طالما لم يتحقق إدخال المواد اللازمة لإعادة البناء وتحسين شامل في البيئة الاقتصادية. وختم بالتأكيد على أن التعافي الحقيقي يتطلب دعماً مؤسساتياً وتمويلاً دولياً وإعادة فتح المعابر: "من دون إعادة الإعمار وتهيئة بيئة اقتصادية آمنة، سيبقى أيّ تعافٍ هشاً ومحدوداً في نطاقه".
بتاريخ:  2025-11-01


التعليقات على الموقع تعكس آراء كتابها ولا تعكس آراء الموقع.
يمنع أي لفظ يسيء للذات الالهية أو لأي دين كان أو طائفة أو جنسية.
جميع التعليقات يجب أن تكون باللغة العربية.
يمنع التعليق بألفاظ مسيئة.
الرجاء عدم الدخول بأي مناقشات سياسية.
سيتم حذف التعليقات التي تحوي إعلانات.
التعليقات ليست للتواصل مع إدارة الموقع أو المشرفين. للتواصل يرجى استخدام صفحة اتصل بنا.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
يجب ملىء حقل الاسم.
يجب ملىء حقل العنوان.
يجب ملىء حقل الرساله.
الاكثر مشاهدة
للاعلى تشغيل / ايقاف للاسفل