أخر الأخبار » العربي

بحثاً عن مصدر الخلل في الجامعات

إذا افترضنا صحة الاستنتاج أن الجامعة في الوطن العربي لم تقم بالوظائف التي نشأت من أجل تحقيقها لجهة تأهيل الكادرات العليا لسوق العمل والقادرة على تحقيق التنمية البشرية، ونشر العقلانية والروح العلمية والنقدية في المجتمع وإطلاق طاقات الإبداع، فأين مصدر الخلل؟ هل هو في البنية السياسية والفكرية والاقتصادية الاجتماعية التي تدير شؤون وسياسات بلدان المنطقة فقط، أم أن الجامعات قدمت بدورها قسطاً لا يستهان به في الوصول إلى النتائج التي أسفرت عنها تجربة حوالي قرنين من الزمن؟ بالعودة قليلاً إلى الوراء، أي إلى العقود السبعة الأخيرة، يمكن القول إن الجامعات حصرت مهمتها بتخريج كادرات وظيفية لملء شواغر الإدارات العامة وبعض مجالات القطاع الخاص. حدث ذلك فيما كانت المنطقة والدوائر الحكومية منها على الأخص بأمس الحاجة إلى ذلك بعد نيل الدول استقلالاتها. وبناءً عليه، كانت شهادة الجامعة هي السبيل لشغل وظيفة عامة مرموقة. ولذلك انتمى إليها مئات ألوف الطلبة أملاً بمستقبل مستقر. قليلون هم الذين اندفعوا وراء أحلامهم بدراسة مواد واختصاصات محددة لا طلب واسعاً عليها. لذلك ندر الإبداع واستحال معه التعليم المستمر مدى الحياة.  وضع من هذا النوع جعل من الجامعات "فبارك"- مصانع - لإنتاج خريجين لا يتمتعون بالكفاءات والمؤهلات النوعية التي تتلاءم مع أسواق العمل من جهة، ومع دفع مسيرة العلم خطوات إلى الأمام من جهة ثانية. تمكن ملاحظة قلة عدد المبدعين في مجالات اختصاصهم بالقياس إلى أعداد الخريجين من مراحل الدراسات العليا، وبين هيئات التعليم والباحثين على حد سواء. ففي كل جامعة نجد ما لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة في مجالات نشر الأبحاث والدراسات. والحصيلة أن التعليم الببغائي الذي ساهمت الجامعة في تعميمه حجب العقل عن اختراق آفاق جديدة في الكثير من المجالات. والواقع أن الجامعات وإن كانت تتحمل قسطها من هذه الحصيلة، فالفلسفة التربوية والنظام المعرفي والوظيفي القائم على التكرار يتحمل القسط الباقي. لا بد من النظر إلى خطورة مثل هذا الوضع من زاوية مختلفة بعض الشيء. فالمعروف أن المنطقة العربية تتمتع بأعلى نسبة سكانية من الأطفال والشباب، وتصل هذه إلى حوالي نصف العدد الاجمالي، ما يعني أن تلك الأجيال بحاجة إلى أنظمة تعليم وجامعات متطورة، كما هي بحاجة إلى سوق عمل قادرة على استقطابها وإدخالها في دورة الإنتاج.  ومسألة سوق العمل قضية بحد ذاتها باتت تتطلب مهارات عالية، باعتبار أن مهارات الماضي لم يعد لها محل في عالم اليوم. وهنا بيت القصيد الذي لم تستطع المعالجات، وما سمي بالخطط الخمسية والعشرية، التعامل معه على نحو فعلي. فالتغير الذي طرأ على أسواق العمل في العقود المنصرمة تحت تأثير تسارع الثورة التكنولوجية والمعرفية جعل من المستحيل اقتحامه دون امتلاك المؤهلات المطلوبة. علماً أن بقاء قطاع العمل التقليدي (عمل يدوي أو حرفي غير مؤهل) هو المنفذ المتبقي، والذي سيجد في المستقبل القريب أبوابه وقد أصبحت موصدة أمام تلك الجموع التي تبحث عن موقع لها وسط غابة متشابكة من التعقيدات. فاقتصاد اليوم، حتى في المجتمعات التي تظن أنها تستطيع العيش بمعزل عن أحكامه، بات المهيمن والمقرر في بقاء أو انقراض هذه المجموعة أو تلك، بفعل قدرة الأنواع على التكيف أو عدمه كما عرفتها الحياة الطبيعية على هذا الكوكب. (باحث وأكاديمي)
بتاريخ:  2025-11-01


التعليقات على الموقع تعكس آراء كتابها ولا تعكس آراء الموقع.
يمنع أي لفظ يسيء للذات الالهية أو لأي دين كان أو طائفة أو جنسية.
جميع التعليقات يجب أن تكون باللغة العربية.
يمنع التعليق بألفاظ مسيئة.
الرجاء عدم الدخول بأي مناقشات سياسية.
سيتم حذف التعليقات التي تحوي إعلانات.
التعليقات ليست للتواصل مع إدارة الموقع أو المشرفين. للتواصل يرجى استخدام صفحة اتصل بنا.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
يجب ملىء حقل الاسم.
يجب ملىء حقل العنوان.
يجب ملىء حقل الرساله.
الاكثر مشاهدة
للاعلى تشغيل / ايقاف للاسفل