تجاوز اقتراض الحكومة البريطانية التوقعات في أغسطس/آب، موجّهًا ضربةً لوزيرة الخزانة راشيل ريفز، قبل إقرار ميزانية صعبة في الخريف. وبلغ العجز 18 مليار جنيه إسترليني (24.4 مليار دولار)، وفقًا لبيانات مكتب الإحصاءات الوطنية الصادرة اليوم الجمعة، وهو أعلى مستوى اقتراض لهذا الشهر منذ خمس سنوات، وفق وكالة بلومبيرغ.
وجاء العجز أعلى بكثير من توقعات مكتب مسؤولية الميزانية البالغة 12.5 مليار جنيه إسترليني. وبعد خمسة أشهر من السنة المالية، بلغ العجز التراكمي 83.8 مليار جنيه إسترليني، أي أعلى بـ11.4 مليار جنيه عن التقديرات الرسمية، مقارنة بـ67.6 مليار جنيه في الفترة نفسها من العام الماضي. ويُعزى هذا التدهور إلى زيادة الإنفاق على الخدمات العامة، وإعانات الرعاية الاجتماعية، وفوائد الديون.
وهذه الأرقام تُعد مصدر قلق لريفز، التي أثارت غضب الشركات بميزانيتها الأولى، ومن المتوقع أن تُعلن عن زيادات ضريبية إضافية بمليارات الجنيهات في ميزانية 26 نوفمبر/تشرين الثاني. ويرى خبراء أن الخطر الأكبر يكمن في تأثير هذه الزيادات على النمو الاقتصادي وإيرادات الضرائب التي تحتاجها الخزانة بشدة.
إلى جانب ذلك، من المرجح أن تؤدي تكاليف الاقتراض المرتفعة، وسلسلة من التغييرات الجذرية في السياسات، إضافة إلى توقعات مكتب المسؤولية المالية (OBR) بانخفاض الإنتاجية، إلى إخلال وزيرة الخزانة بقواعدها المالية الخاصة، التي تلزمها بتغطية الإنفاق اليومي من الإيرادات بحلول السنة المالية 2029-2030. وتقدّر "بلومبيرغ إيكونوميكس" أن سدّ هذه الفجوة يتطلب نحو 35 مليار جنيه إسترليني.
في المقابل، أظهرت بيانات مبيعات التجزئة أداءً أقوى من المتوقع في أغسطس/آب. وارتفع حجم البضائع المباعة عبر الإنترنت وفي المتاجر بنسبة 0.5%، وهو ما يتطابق مع القراءة المعدلة في يوليو، بينما كانت التوقعات تشير إلى نمو 0.4%. وساعد الطقس الجيد على زيادة مبيعات الملابس والمخابز، ما عوّض التراجع في متاجر الإلكترونيات والاتصالات.
ويرى محللون أن المستهلكين تجاهلوا إلى حد كبير التحذيرات بشأن فقدان الوظائف وتباطؤ نمو الأجور وارتفاع الأسعار. كما أن قوة مبيعات التجزئة توفر بعض الدعم لوزيرة الخزانة ريفز، خصوصًا في ظل الانتقادات الواسعة للزيادات الضريبية التي فرضها حزب العمال بقيمة 26 مليار جنيه إسترليني (35 مليار دولار).
تحقيق التوازن بين ضبط المالية وتحفيز الاقتصاد
ويأتي اتساع عجز الميزانية البريطانية في وقت بالغ الحساسية، حيث تسعى حكومة حزب العمال الجديدة إلى تحقيق توازن بين متطلبات ضبط المالية العامة وتحفيز الاقتصاد. وتاريخيًا، يُعد ضبط العجز المالي أحد التحديات المزمنة في المملكة المتحدة، إذ غالبًا ما تتسبب فترات الركود وضعف الإنتاجية في تضييق قاعدة الإيرادات الضريبية وزيادة الاعتماد على الاقتراض.
كما أن بيئة أسعار الفائدة المرتفعة عالميًا منذ عام 2022 أدت إلى تضاعف تكاليف خدمة الدين العام، ما يضغط على الموازنة ويجعل أي توسع في الإنفاق العام أكثر تكلفة. ويُضاف إلى ذلك أن الاقتصاد البريطاني يواجه تحديات هيكلية تتعلق بالإنتاجية، وتباطؤ نمو الأجور الحقيقية، وتراجع جاذبية الاستثمار بعد "بريكست".
من جانب آخر، يبرز قطاع التجزئة مؤشراً رئيسياً على قوة الإنفاق الاستهلاكي، الذي يُشكل أكثر من 60% من الناتج المحلي الإجمالي البريطاني. وبالتالي، فإن تحسن مبيعات التجزئة في أغسطس/آب قد يعكس مرونة نسبية في سلوك المستهلكين، لكن استمرار هذه القوة يبقى مرهونًا بتطورات سوق العمل والتضخم والسياسات الضريبية الجديدة.
وتكشف بيانات أغسطس/آب عن صورة مزدوجة للاقتصاد البريطاني: عجز مالي متفاقم يضع ضغوطًا كبيرة على الخزانة، يقابله قطاع تجزئة أكثر صمودًا مما كان متوقعًا. وبينما تحاول راشيل ريفز تحقيق معادلة صعبة بين استقرار المالية العامة ودعم النمو، يبقى التحدي الأساسي في قدرة الحكومة على استعادة ثقة المستثمرين والشركات دون خنق الاستهلاك أو إضعاف بيئة الأعمال. ومع اقتراب موعد الميزانية الخريفية، ستبقى الأنظار مركزة على الإجراءات الضريبية المرتقبة، وعلى قدرة الحكومة على الموازنة بين الإصلاح المالي والنمو الاقتصادي المستدام.
تراجع معدلات الادخار في بريطانيا مع ارتفاع تكاليف المعيشة
كشفت دراسة اقتصادية تراجع معدلات ادخار الأسر في بريطانيا في خضم الزيادة السريعة في تكاليف المواد الغذائية وغيرها من الاحتياجات الأساسية. وذكرت مؤسسة "جي.إف.كيه" للدراسات الاقتصادية أن مؤشرها الذي يرصد نوايا الادخار تراجع الشهر الجاري بواقع ثماني نقاط، وهو أكبر تراجع له هذا العام، فيما تراجعت ثقة المستهلكين في بريطانيا بشكل عام بواقع نقطتين إلى سالب 19، بعد أن أصبح البريطانيون أكثر تشاؤما بشأن أوضاعهم الاقتصادية الخاصة والحالة الاقتصادية في البلاد، وأقل رغبة في الإنفاق، بحسب ما ذكرت وكالة أسوشييتد برس.
وأفادت وكالة بلومبيرغ بأن هذه البيانات تعتبر بمثابة أنباء غير سارة لوزيرة الخزانة راشيل ريفز التي تأمل في إنعاش الاقتصاد البريطاني، الذي يعتمد بقوة على سلامة الأوضاع المالية للمستهلكين. وبدلا من اعتبار هذه البيانات مؤشرا على أن المستهلكين يشعرون بثقة متزايدة تدفعهم لزيادة الانفاق وتقليل الادخار، يشير تقرير جي.إف.كيه إلى أن ميزانيات الأسر تتعرض لضغوط بسبب زيادة التضخم وبطء نمو الرواتب.
وتتوقع شركات الصناعات الغذائية ارتفاع تضخم مواد البقالة إلى 6% بحلول نهاية العام، وأرجعت السبب في ذلك إلى الضرائب التي فرضتها الحكومة العمالية على أرباب العمل. وتزداد المخاوف بسبب التكهنات بأن ريفز سوف ترفع الضرائب مرة أخرى خلال الميزانية المقررة يوم 26 نوفمبر/ تشرين الثاني لسد فجوة تمويلية جديدة تصل قيمتها إلى عدة مليارات من الجنيهات الإسترلينية في ماليات الحكومة.
وخلص تقرير "جي.إف.كيه" أيضا إلى أن المستهلكين أصبحوا أقل ميلا للإنفاق على السلع باهظة الثمن مثل الأثاث والأجهزة الإلكترونية. وتأتي هذه البيانات بعد يوم من صدور تقرير لاتحاد تجارة التجزئة في بريطانيا يؤكد تصاعد التشاؤم بين الأسر البريطانية التي يمثل إنفاقها نحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد.
بتاريخ: 2025-09-19
يمنع أي لفظ يسيء للذات الالهية أو لأي دين كان أو طائفة أو جنسية.
جميع التعليقات يجب أن تكون باللغة العربية.
يمنع التعليق بألفاظ مسيئة.
الرجاء عدم الدخول بأي مناقشات سياسية.
سيتم حذف التعليقات التي تحوي إعلانات.
التعليقات ليست للتواصل مع إدارة الموقع أو المشرفين. للتواصل يرجى استخدام صفحة اتصل بنا.