أخر الأخبار » العربي

صندوق تنمية الثقافة في سورية

مع إطلاق صندوق التنمية السوري قبل أيام، الذي وضع أهدافه ضمن حيز إعادة الإعمار وترميم البنية التحتية وتطويرها  في البلاد، وبالتوازي مع الحملات المحلية في المحافظات لجمع المبالغ من المتبرعين لإصلاح ما دمرته الحرب، يغيب أي نقاش حول تنمية القطاعات الثقافية، لا في المدن الكبرى، ولا في الأرياف، ما يجعل المثققين السوريين، والعاملين في المهن الإبداعية، المستقلين أو الموظفين، يستشعرون أن مصائرهم المهنية مهملة وغير مدونة في الأجندة الحكومية.

تاريخياً، كان الإنفاق على الثقافة شأناً حكومياً، الأمر لا يتعلق بمصادرة حزب البعث للحياة العامة منذ عام 1963، بل منذ الاستقلال كانت الدولة هي التي تقدم الإعانات للمؤسسات الثقافية الخاصة كي تستمر، ويخضع الأمر لموافقة البرلمان، لكن مع موجات التأميم، صارت الثقافة خاضعة بشكل كامل لسلطة الدولة، لكن السؤال الذي طالما طُرح، هل أدت الدولة دورها كما يجب في العمل على خلق مؤسسات ثقافية تتمتع بالملاءة المالية لتقوم بالصرف على مشاريعها؟

في مراجعة سريعة وعبر المصادر المتاحة لحصة وزارة الثقافة من الموازنة العامة للدولة قبل انطلاق الثورة، وبعدها، توضح الأرقام أنها لم تتجاوز 0.5%، بما فيها أجور الموظفين، وانخفضت النسبة بدورها شيئاً فشيئاً خلال سنوات الحرب لتصبح ما بين 0.1–0.2% تقريباً.

بالتوازي مع الإنفاق الحكومي الضئيل، حرصت منظمات دولية وعربية على التدخل الإيجابي في المشهد الثقافي السوري، حيث كانت المراكز الثقافية الغربية تنظم فعاليات سورية وأجنبية بتمويل منها، كما كانت اليونيسكو حاضرة في مشاريع ترميم الآثار وحماية التراث، وفي العقدين الأخيرين حضر الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق) من خلال دعم مشاريع سينمائية وموسيقية وسردية سورية، خصوصاً بعد 2011، وكذلك مؤسسة المورد الثقافي التي دعمت فنانين ومسرحيين سوريين، إضافة إلى مؤسسات سورية مستقلة حصلت على دعم المانحين الأجانب والعرب والسوريين مثل بيت المواطن، ومؤسسة واتجاهات – ثقافة مستقلة وغيرها.

المشكلة الأكبر تتمثل بغياب خطّة عامة لوزارة الثقافة

بعد سقوط النظام، وتكشف حجم الخراب الذي أصاب المرافق السورية كافة التي أهملت عمداً، يظهر الواقع أن غالبية المعدات التقنية المستخدمة في المؤسسات التي تتبع وزارة الثقافة تحتاج إلى تحديث، وأن أجور العاملين فيها باتت أرقامها مجهرية بالقياس مع المؤسسات المشابهة في البلدان العربية أو في القطاع الخاص، وهو ما يدفعهم إلى المغادرة نحو أمكنة أخرى، لكن المشكلة الأكبر التي ظهرت بعد تشكيل الحكومة المؤقتة الحالية، إنما هي غياب خطة عامة لوزارة الثقافة، فيما يرد سؤال عن قدرتها بالأصل على وضع مشاريع يمكنها تحمّل الإنفاق عليها، بالنظر إلى الوضع العام الذي تعيشه الدولة، ولا سيما شح الموارد!

التفكير بحلول إبداعية وخارج الصندوق وفق التعبير الذي يقترحه المتفائلون، جعل من مسألة الصندوق التنموي أمراً ممكناً، لكن هذا الصندوق، ولأسباب تتعلق بضرورة العمل على الأولويات، لا يقترب من الشؤون الثقافية، فيظهر أن ثمة إهمالاً أو تأجيلاً للاهتمام بها، رغم أن أغلب التظاهرات التي سوّقتها الحكومة إعلامياً خلال الفترة الماضية، كانت تعتمد على حضور الثقافة والمثقفين، فهل يبقى الحال على ما هو عليه بسبب الظروف العامة التي تعيشها البلاد؟ أم أن ثمة إمكانية لاقتراح حلول إبداعية للنهوض بالبلاد ثقافياً؟

من بين المقترحات الممكنة القابلة للعمل في الواقع، وبحسب تجارب بلدان عانت من مآزق مشابهة في مرحلة الخروج من حالة الحرب، مثل البوسنة والعراق وراوندا، تظهر فكرة صندوق التنمية الثقافية، ليكون مؤسسة تبني حضورها ومواردها عبر تحالفات وشراكات محلية وعربية وأجنبية، تخرج عن البيروقراطية الحكومية وتعمل على دمج الثقافة مع التنمية الاجتماعية والاقتصادية، فيشارك في المشاريع السياحية والحرفية والتعليمية، ويربطها بإعادة الإعمار، وتكون حاضرة بالتوازي مع الخطط الحكومية الراهنة، بحيث تتكامل في الأدوار معها ضمن خطة إعادة بناء الهوية، لجهة التركيز على التراث واللغة والفنون المحلية بوصفها وسيلة للتواصل والتسامح. وتعمل من أجل تمكين الشباب والمجتمعات المحلية، من خلال الورشات التدريبية، والفرق الموسيقية، والمسرح المجتمعي. ويسعى إلى تقديم الدعم للقطاعات الثقافية المتعسرة، ومنها السينما، والمسرح، وصناعة النشر، وغيرها.

* شاعر وناقد سوري مقيم في فرنسا


بتاريخ:  2025-09-18


التعليقات على الموقع تعكس آراء كتابها ولا تعكس آراء الموقع.
يمنع أي لفظ يسيء للذات الالهية أو لأي دين كان أو طائفة أو جنسية.
جميع التعليقات يجب أن تكون باللغة العربية.
يمنع التعليق بألفاظ مسيئة.
الرجاء عدم الدخول بأي مناقشات سياسية.
سيتم حذف التعليقات التي تحوي إعلانات.
التعليقات ليست للتواصل مع إدارة الموقع أو المشرفين. للتواصل يرجى استخدام صفحة اتصل بنا.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
يجب ملىء حقل الاسم.
يجب ملىء حقل العنوان.
يجب ملىء حقل الرساله.
الاكثر مشاهدة
للاعلى تشغيل / ايقاف للاسفل