قضية قبرص ومعاملة الأقلية الكردية في تركيا.
فقد تواصلت الانتقادات الأوروبية لسجل وممارسات تركيا في مجال حقوق الإنسان والحقوق الديمقراطية وسيادة القانون، مشيرة إلى الاعتقالات الجماعية وعمليات التطهير التي أعقبت محاولة الانقلاب عام 2016. الأمر الذي أدى إلى اعتقاد أوروبا أن تركيا لا تتمتع بالمعايير اللازمة لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي، تلك المعايير المعروفة بـ«معايير كوبنهاجن Copenhagen Criteria»، ولم يتوقف الأمر الأوروبي عند الانتقاد بل تعداه إلى فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على تركيا في عام 2019 بسبب ما اعتبره «أنشطة حفر غير قانونية» في شرق البحر الأبيض المتوسط.
كانت قضية قبرص التي تعرضت لغزو تركي عام 1974 ردًا على انقلاب بتحريض من اليونان كان يهدف إلى توحيد الجزيرة مع اليونان. مازال هذا الملف يمثل واحدة من كبرى العقبات أمام تعميق العلاقات الأوروبية التركية.. ويشكو المسؤولون الأتراك من أن الوضع في الجزيرة، التي يزيد عدد سكانها قليلًا على مليون نسمة، يعوق مبادرات توسيع التعاون في قضايا الأمن الأوروبي.. هذا بالإضافة إلى ملف المعاملة التركية التاريخية القاسية للأقلية الكردية، حيث يمثل الملفان كبرى العقبات في طريق العلاقات الأوروبية التركية.
ظل الحال الأوروبي متمسكا بمعاييره.. ومتمسكا بحرمان تركيا من عضوية الاتحاد.. وظل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان متمسكا بقواعد «الاستراتيجية الميكيافيلية» التي أوصلته إلى سدة الحكم في تركيا في مايو 2003، ثم رئيسًا للجمهورية في أغسطس 2014، حتى أُعيد انتخابه في يونيو 2023.
لكن المشهد السياسي العالمي لا يبقى على حال.. فبعد ابتعاد واشنطن النسبي عن مفهوم الأمن الأوروبي التقليدي الذي أُرسيت قواعده بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب الضمانات الأمنية الأمريكية لحلفاء الناتو الأوروبيين، بدأ الموقف الأوروبي أيضًا في التغيير.. وازداد شعور الدول الأوروبية بالقلق والتوجس إزاء رؤية وخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نحو المجموعة الأوروبية وكذلك نحو إنهاء حرب أوكرانيا، التي كان من أبرز تداعياتها السلبية من وجهة النظر الأوروبية:
في ظل هذه الأمواج السياسية المتلاطمة سعت تركيا صاحبة ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي الناتو NATO وكذلك بساحلها الاستراتيجي على البحر الأسود إلى لعب دور رئيسي في الأمن الأوروبي .. وهكذا فقد برزت تركيا كشريك رئيسي محتمل في إعادة هيكلة الأمن الأوروبي، هذا في الوقت الذي تسعى فيه أوروبا جاهدة لتعزيز دفاعها وإيجاد ضمانات لأوكرانيا بموجب أي اتفاق وقف إطلاق نار مقبل تحث عليه الولايات المتحدة.
ومما زاد في جدوى هذا السعي التركي أوروبيًا أن الجيش التركي الذي يبلغ قوامه 374 ألف جندي نشط في الخدمة.. و379 ألف جندي في الاحتياط هو ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي الناتو NATO وهو من جيوش أوروبا الأكثر فعالية، حيث إنه يخوض معارك عسكرية متتالية منذ عقود.
أما سياسياً فقد حافظت تركيا على موقف ثابت يتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة بشأن سيادة أوكرانيا وسلامتها الإقليمية. وترى مصادر دبلوماسية وبحثية أوروبية مهمة أن تركيا لديها آراء مهمة للغاية حول الحاجة إلى تحقيق السلام في أوكرانيا.. والرئيس التركي رجب طيب أردوغان نجح في تحقيق التوازن في علاقته بين الرئيس الأوكراني زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الحرب، لذا من المنطقي أن تكون تركيا أردوغان على رأس هذه الجهود في مواجهة روسيا، كما يجب أن يشمل دفاع الاتحاد الأوروبي تركيا. نتيجة لكل ما سبق فقد دخل الجانبان التركي والأوروبي في جولتين من محادثات الأزمة بشأن كل من قضية أوكرانيا وقضية الأمن الأوروبي، وسارعت مصادر أنقرة إلى التأكيد والتحذير من أنه لا يمكن ضمان الدفاعات الأوروبية دون مشاركتها.. وزادت المصادر الأوروبية الرسمية على هذه التصريحات التركية أن الدول الأوروبية التي اعتقدت أنها تتمتع برفاهية استبعاد تركيا حتى اليوم ترى الآن أنها لم تعد قادرة على استبعاد تركيا من معادلة الأمن الإقليمي الأوروبي.
من الواضح أن إدارة تركيا الدقيقة لعلاقاتها مع كل من كييف وموسكو قد وضعتها في وضع متميز وفريد، فقد حرصت تركيا من خلال تلك العلاقات إلى تحقيق هدفين:
ويرى مراقبون أوروبيون أنه من الأرجح أن الدعم التركي الاستراتيجي لأوكرانيا كان يتم بتنسيق ودعم من الاتحاد الأوروبي، هذا بهدف إعادة تشكيل توازن القوى في المنطقة في ظل ظهور نظام عالمي جديد يسعى فيه الاتحاد الأوروبي إلى تحمل مسؤولية أكبر عن أمنه الإقليمي في ظل تحول السياسات الأمريكية الخارجية نحو الاتحاد الأوروبي.
بتاريخ: 2025-10-25
يمنع أي لفظ يسيء للذات الالهية أو لأي دين كان أو طائفة أو جنسية.
جميع التعليقات يجب أن تكون باللغة العربية.
يمنع التعليق بألفاظ مسيئة.
الرجاء عدم الدخول بأي مناقشات سياسية.
سيتم حذف التعليقات التي تحوي إعلانات.
التعليقات ليست للتواصل مع إدارة الموقع أو المشرفين. للتواصل يرجى استخدام صفحة اتصل بنا.